وقفةٌ على حدِّ الذّاكرة/ شعر : الشاعر الأردني علي الفاعوري

هنا أقفُ
هنا أجترّ ذاكرتي
وأعترفُ
بأني قد تركتُ فمي بباب الوقتِ يرتجفُ
وأني قد خذلتُ يدي
أبحتُ جفونَ عاشقتي لذئبِ الريح
ذبحتُ النّايَ
واستعذبتُ بَحّتَهُ
كسرتُ جرارَ أحلامي
وطفتُ على عيونِ الحي أرتشفُ !
وحين أفقتُ ذاتَ قصيدةٍ بلهاءَ
كان العمرُ ينتصفُ ..

هنا أقفُ
وبعد هروبِ أشجاري
وبعد غروبِ أصحابي الذين مضوا
كأغنيةٍ
تخافتَ ضوءُها حولي
إلى أن ذابْ
جلستُ على بقايايَ التي هرِمَتْ
لكي أرتاحَ من لغتي
فأكتشفُ
بأن نساء قريتنا ضربْنَ دمي بأعيُنهنّ حينَ مررتُ
مختالاً بقافيتي
شرِبنَ فمي
ووزّعْنَ ابتساماتي على الجيرانْ
وحين فَرغْنَ من قتلي
صبأنَ
وصِرنَ شقائقَ النعمانْ ..!

هنا
تتجمعُ الشطآنْ
كي ترتاحَ من مائي
فأركبُ خطوتي ريحاً
وأنصرفُ ..

هنا أقفُ
أمامي في المدى جثثُ القتيلاتِ الّلواتي متنَ من فرحٍ
بأني قد أعودُ صبي
وأودعهن قمصاني ..
وخلفي ما تركتُ
أبي
والجدّة العمياءُ
زيرُ الماءِ .. والمذياعُ
والمرياعُ
والصّحُفُ !
دجاجاتٌ سميناتٌ
وديكٌ تافهٌ
خَرِفُ !!
فماذا قد يعيدُ ولو نصفَ الذين مضوا ؟
ويُرجِعُني هناك فتىً
يدحرجُ قلبَهُ دمعاً
على لا شيء ينذرفُ !!
ماذا قد يعيدُ
ولو نصف الذين مضوا
وما عرفوا
بأني منذ أن غابوا
على أطلالهم أقفُ !

هنا أستلُّ أنفاسي
وأحبسُها بكأسِ الوقتِ
في قارورةِ الورعِ
وليس معي
سوى ظلّي الذي يمشي على عكازة الوجعِ !

هنا يستمتعُ الليمونُ بالجوعِ الذي يقتاتُ
من شبعي !
هنا
تتكاثرُ الأشجارُ
والأشعارُ
والنُّطفُ ..
ويكرهُ شرقَهُ الشّرفُ !!

هنا أقفُ
أُعمّدُ ناقتي بالوجد
اغسلني بهذا العشق من تعبي
وبي ما زالَ بعضُ صبايَ
والصّلفُ ..

أرى كتفي
كطائر نورسٍ يختالُ بين دمي والبحر
يعرفني
ويعرف أن أشرعتي التي جاءت بها الصُّدَفُ
تَرُدُّ الماءَ عن وجهي
فكلُّ نساءِ قريتنا
أردنَ دمي
وما عَلِمتْ بأنّي الليلكُ المهدور في الكلماتِ
أنّي صاحبُ الألحانِ
أجمَعُها على مهلي
وأنثرها على شباكيَ الشّرقي أحجيةً
لكي لا تُؤكلَ الكتفُ ..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!