مَقامُ الغَزالةْ /شعر : الشاعر الأرني علي الفاعوري

كأنّكَ أنتْ ..

تقولُ الغزالةُ وهي تشيحُ بوجهٍ تكسّرَ عنّي:
لماذا أتيتْ؟
أما غبتَ في دهشةِ الوقتِ حتى ارتويتْ؟
أما كُنتَ تزعُمُ للواقفينَ على أُهبةِ الرّيحْ
بأنكَ لا تكتفي بالبقاءِ المُريحْ؟
لماذا إذاً بعد هذا الذُّبولِ ظهرتْ؟
لِتشمتَ مثلَ السّنين بموتي؟
لتشربَ صوتي كما كنتَ تفعلُ عامَ الرّمادةْ؟
لتأكُلَ كالنّملِ لحمَ الوسادةْ؟
وتمضي سعيداً الى حيثُ شئتْ

كأنكَ أنت
فكيفَ أُكذِّبُ ما تدّعيهِ يدي من خشوعْ؟
وكيفَ سأُخرجُ وجهكَ من تحتِ جفني
ومنذُ غيابكَ طعمُ الملامحِ ما زالَ يشبهُ طعمَ الدّموعْ
أتذكرُ قلبي فدَتْكَ الضُّلوعْ؟
أتذكُرُ كيف أكلتَ اشتياقي على حين جوعْ؟
وقرّرتَ قتليَ عشرينَ عاماً
وحينَ قُتِلتَ بذاتِ السّيوفِ .. رجعتْ
كأنكَ أنت
وكنتُ أظنُّكَ حين بنيتَ على الرّيحِ بيتي
ستأوي إليهِ إذا ما تعبتْ
وكنتُ أظنكَ تشتاقُ مثلي
وكنتُ أظنكَ تحتارُ مثلي
وتذهبُ ليلاً إلى البحرِ مثلي
وكنتُ .. وكنتْ!
وما كنتُ أعرفُ أنكَ مثل العصافير
بعيداً تطيرُ إذا ما اكتفيتْ !
كأنكَ أنتْ
بذاتِ العيونِ وذاتِ النُّدوبِ وذاتِ الملامحْ
بذاتِ اليدينِ وذاتِ الهدوءْ
بدَقّةِ خطوكَ فوق الرّصيفِ الذي أثخنتهُ الأسامي
ببعضِ الشموخِ أراكَ أمامي
بصوتكَ يذبحُ من غير سوءْ !
لماذا إذاً بعد عشرين موتاً تجيءْ؟
تُراكَ أتيتَ لتُثبتَ للبحرِ أنّي انكسرتْ؟

كأنكَ أنتْ
تعودُ إلى حيثُ لا فائدةْ
وماذا ترى من بقايا الشّتاءِ سوى غيمةٍ شاردةْ؟
سوى وردةٍ أهملتْ عِطرها
بانتظارِ يدٍ عائدةْ
وليلٍ طويلٍ مضى دونَ حلمٍ
يُحرِّكُ هذي الدُّمى الرّاكدةْ
مضى كلُّ شيءٍ ووحدي بقيتُ أعدُّ الأماني
وأقرأُ وجهكَ بين الأغاني
وأشربُ قهوتكَ الباردة !
تعودُ إلى حيثُ لا فائدةْ
سوى أن تراني أُقشِّرُ وهمَ الصِّبا في ذهولْ
أمشِّطُ شَعرَ المرايا التي قد طواها الذُّبولْ
إلى أن هرِمتْ

كأنّكَ أنتْ
ووحديَ ما زلتُ أقضُمُ حُزني
إلى أن تغيَّرَ في البردِ لوني
كما تصدأُ العُملةُ التّالفةْ
تمرُّ المناماتُ قربي وتهربُ كالطّفلةِ الخائفةْ
هُنا يذبُلُ الماءُ كالعشبِ
تذوي الأصابعُ ، تمسحُ دمعَ النّدى راجفةْ
وحبرُ المكاتيبِ جفَّ حِداداً علينا
ولمْ يُبقِ منّا سِوى الأغلفة !
كأنّكَ أنتْ
فكيفَ لوجهكَ أن يستعيدَ من الموتِ رُمّانةَ العاطفةْ؟
ألستَ الذي أسقطَ القلبَ حينَ مضى تاركاً خلفهُ الشِّعرَ والعِطرَ
والشّفةَ النّاشِفةْ؟
ألستَ الذي بدّلَ الشّمسَ بامرأةٍ زائفة؟
لماذا إذاً جئتَ تُطفي الرّياحَ
وأنتَ جلبتَ لنا العاصفةْ؟
أُقبِّلُ حُزنَ يديكَ بألاّ تُكرّرَ موتي
فإنّ الجراحَ التي قد تركتَ كما تشتهي
نازفةْ
سألتُكَ بالقهرِ ألاّ تَرُدَّ إليَّ دمي
فإن الغزالاتِ مهما تغوصُ السِّهامُ
تموتُ على حالِها واقفةْ !

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!