اشتباك. قصة. بقلم. نجيب كيَّالي

لصحيفة آفاق حرة

 

اشتباك
قصة
بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

في الليل داخلَ معرض اللوحات كان المكان صامتاً، والضوءُ خفيفاً، على الحائط لوحاتٌ كثيرة، إحداها للموت، نزل الموت من لوحته، نظر إلى نفسه في اللوحة، قال:
– لم أكن أتصوَّر أنني قبيح إلى هذه الدرجة؟!
سمعته الحياة في اللوحة المجاورة، فنزلتْ من لوحتها، وصاحت به:
– بل أنتَ أقبح من ذلك بكثير. ألا يكفي أنك تجعل الناسَ طوالَ حياتهم يتلفَّتون خوفاً من قدومك إليهم! حتى وهم يشربون القهوة مع حبيباتهم يخشَوْن أن لا يُكْمِلوا فنجانهم!
انزعج الموت، ردَّ قائلاً:
– هناك مَنْ يُحرِّضهم عليّ! وبصراحة ذلك المُحرِّضُ هو أنتِ! إنكِ تُغرينهم كغانية، فتدفعينهم ليتعلَّقوا بالأزهار.. بالأغاني.. بالملابس.. بالمال.. بالعشق.. عشق العيون الحلوة، ومجالسةِ الحبيب. أليس هذا طمعاً وشططاً؟! إنكِ أنتِ والرسام عدوَّانِ لي.
زمجرت الحياة:
– حقاً نحن أعداؤك.. نحن نكرهك. لماذا؟ لأنني أنا والناس نبني وأنت تهدم.
أنت لا تشعر بما في قلوب البشر، تتعامل معهم كدُمى، فتندفع لتحطيمها دون وازع! تخطف الأم، وتترك رضيعَها وحيداً! تخطف الزوجة، وتترك زوجَها أرملَ وحيداً! تخطف العالَم من مَخْبَره، وتترك عِلْمَه وحيداً.
رفع الموت حاجبيه، وانبرى للرد بعصبية:
– ولماذا لا ترين الصفحة الثانية من الحقيقة؟! لماذا لا تقولين: أنا أريح المريضَ من أوجاعه، واليائسَ من يأسه، والسجينَ من سجنه؟! و….
قاطعَتْهُ:
– اخرس. إنكَ جانٍ آثم.
أجابها:
– بل أنتِ وقحة.
هجمَ كلٌّ منهما على الآخر، واشتبكا بعنف.. عنفٍ شديد، ولم يكن في المعرض أحدٌ ليفصلَ بينهما.
*

٢٠٢٢/٦/٣٠

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!