الزائر الأبيض

((الزائرُ الأبيض ))

 

في الأيام الأخيرة من الموسم الجامعي الأول , حين كنت أودّ الذهاب للكلية لمعرفة جدول الامتحانات ومقابلة بعض الأصدقاء . في قسم اللغات وعلى باب الكلّية وأنا احمل كوب القهوة التي ترافقني في بداية كلّ صباح,  أقف للسلام على بعض الأصدقاء تأخذنا الابتسامات وتجوب أسرار الشباب بالبوح والتلميح حول دنيانا الجميلة في كل تفاصيلها البريئة .

بينما كنت أبحث عن أحد الأصدقاء كانت نظراتي تسافر في كل الاتجاهات والزوايا , وعند آخر درجات الطابق الأول كنت أرى ما كنت أخفيه بسري من شعور التمني والرجاء , عندما رحل من عمري كلُّ  فصلِ الربيع  زهره وشهدهِ ولونه .

لم أفكر وأتندر بمن كانت , فكنت أظنني لن أخطئ بقوامها وخطواتها حتى وإن كانت النظرة خاطفة, فأنا أصوّر كل الدنيا من خلالها .

تسارعت خطواتي لم أجد أي شيء مما رأيت  في كل المبنى وزواياه وأدراجه وشرفاته , فعدت إلى جلسة المدخل حيثما اقضي جلّ وقتي هناك, فكان دليل  وجودي بالجامعة للجميع .

وقفت كالعادة مع صديق لي وكنت أخبره بما حدث فضحك ضحكة كبيرة . بعد غياب عام كامل الآن ستراها في وقت الامتحانات … ذهب وهو يردّد قوله معلقاً على حالتي بأنني أعيش هذياناً حقيقياً . بعد أن أصبحت وحيدًا في المكان , سمعت صوتاً من هنا وآخر  من هناك لحالة استثنائية لم تكن بحجم الوقع السيئ أو المصيبة.. بل كان استغراباً وحماساً,  وحين نظرت من فواصل الأدراج شاهدت تجمعاً للطلاب والطالبات أمام مبنى الكلية , حتى صعد احد الطلاب مسرعاً للأعلى.  وحين سألته أجابني بابتسامة عريضة الثلج يهطل بغزارةٍ.

أحسست بشيء أعجز عن  وصفه و كأنها فرحة العيد للأطفال أو نزهة في أجمل بساتين أوروبا تمسح غبار هموم الأيام على عجل. وبغتةً فتحت أول غرفةٍ صفيةٍ قابلتها ودون أن انظر حولي.. توجهت إلى لنافذة. كم هي لحظات جميلة ومنظر يبعث بالنفس ألقاً  وصفاءً حيث قلّما تشهد مدينتنا هذا الزائر الجميل . وقفت وأخذت من قهوتي وسجائري قصيدة شعر تزهو بالفستان الأبيض لفارسة الأحلام التي مازالت تسكن القلب والأهداب .

بينما المبنى بدا خالياً وجميع الطلبة تنسحب من المكان خوفا من إغلاق الطرق  قرّرت الذهاب لمجمّع الحافلات للعودة إلى البيت . استدرت و نظرت خلفي  شعرت أنني لست الوحيد في المكان . استدرت خلفي ونظرت إلى الزاوية ,الأنفاس وكأنها حبيسة,  و المكان كان صامتاً يطيع صِباها

وقفتُ ونظرت إليها وهي تتكئ على  جوانب المقعد تنظر إليّ بنظرات لا تترجمها كل قواميس التمني والآمال . لم استطع الكلام أو حتى السؤال ..

وقفت تاركةً صمتها وتقدمت نحوي( وقفت أمامي وأنفاسُها تغلي دون كلام أخذتني إليها تحضنني كطفل تائهٍ أعادوه إلى  أبويه.)

.تبكي حرقة الفراق ولوعة الاشتياق تعصرني آهاتُها و تجذبني نداءاتها وانفاسها المخملية  تسكنني .حتى كان صراخ أمي.

هي نشوة المساء نرجسية الهوى سلوتها قصص مخملية في فراشٍ فسيح  كأحلام الشباب وخيال مُبدع جعلَ كلّ نكبات العُمر تَستيقظُ من أحلام …

بقلم:  القاص   سامر المعاني / الأردن

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!