الشاعرة ليلاس زرزور تحاور الشاعر المصري عصام محمود عبد الباقي

الشاعر المصري
عصام محمود عبد الباقي
ليسانس دار العلوم : ١٩٩٤
مواليد القاهرة 1972
يقيم في الجيزة/ مصر
يعمل معلما خبيرا / لغة عربية،
مدرسة الرقة البحرية الثانوية/
في وزارة التربية و التعليم.
له أعمال شعرية كثيرة لكنها غير مطبوعة،
و منظومات علمية في النحو و الفقه و العروض و القراءات القرآنية…
و لكنها للأسف كسابقتها غير مطبوعة،
مسؤول بمنتدى “الأدب العالمي ”
نشرت له العديد من المجلات والمواقع الإلكترونية ..

كان لنا معه هذا الحوار القيم الثري …

**حدثنا عن الشاعر الإنسان و كيف كانت بدايته؟
كانت البداية في الصغر ،و ما زلت أتذكر اول شيئ قلتُهُ،
كان عل لسان أحد أطفال فلسطين :
أنا إنسان يا إنسان مثلك كان لي وطنٌ حبيب،
لكن -كحال المناطق الريفية – قُوبل بسخرية،
فظل ( قلب الأديب) ثائرا في صمت، في حالة من ( اللاوعي) حتى تفجر بكل طاقاته في المرحلة الجامعية ،ثم انشغلت عن الشعر بالتدريس -المهنة التي لا يعدلها شيئ عندي- قرابة خمس عشرة عاما .

** داخل كل شاعر طفل ما ينصت لسكتاته و حركاته ،هل طفلك الساكن في أعماقك مشاغب ام مدلل؟
طفلي الشعري:
-مشاغب: في ثورته فهو يأبى مسايرة ما لا يرضاه جيدا
-مدلل: في انه لا يقول إلا ما يريد،وقتما يريد،بالكيفية التي يريدها.

** هل القصيدة عصية كامرأة متكبرة؟
القصيدة كالمراة ،و النساء كآلات الموسيقا ،كل آلة لها سرٌّ خاصّ ،و طريقة في العزف عليها لكي تُخرج اللحن الذي تريد،فإذا لم تضع يدك على هذا السر،و تعرف طريقة عزفها ،فلن يلين لك قيادها ،و لا تطاوعك، بل ستسمعك نشازاً.

**يقول الشاعر لويس آراغون :” لولا الشعر لأصبحت جميعا بالسكتة القلبية”،أليس العالم بدون شعر خواء؟
لا شك -شاعرتنا الكبيرة- ،
فالشعر هو المتنفس لِمَا يضطرم به العالم الإنساني الداخلي و الخارجي ،
الشعر أشبه بتنظيف جرح قد امتلأ قيحا، لا راحة قبل إزالة ما فيه،
لكنْ :
احيانا تكون هذه العملية أشبه بثورة بركان ظل خامدا زمنا و فجأة ثارت حممه،
و ساعتها …..كان الله في عون الشاعر .

**القصيدة رسول مفتوحة للعالم،ماذا كانت رسالتك من خلال قصائدك؟
الشعر فن-استاذة ليلاس- ،بل هو سيد الفنون ،و اي فن لا بد أن تكون له رسالة،
قال علي الجارم -رحمه الله تعالى-:
و الشعر إن لم يكن ذكرى و عاطفة او حكمة فهو تقطيع و أوزان
و عندي ان الشعر له رسالتان:
الاولى: وجدانية: و هي إحداث المتعة للقارئ: فرحاً او تَرَحاً ، فالمتعة الادبية قد تأتي من إسالة دمعة القارئ كما تأتي من رسم البسمة على وجهه،
الثانية: إصلاحية: فالشعر الجيد من أكبر وسائل الإصلاح لما له من تأثير على النفس البشرية،
و كم من قصيدة حولت تاريخ بلد من البلاد -كقصيدة أبي إسحق الألبيري مثلا:
ألا قل لصنهاجة أجمعين * بدور الندي و أسد العرين ..
و لا أعني بالإصلاح هنا جانبا واحدا ،
بل الشعر الجيد – إذا أُحسن استخدامه- يكون وسيلة للإصلاح الاجتماعي و السياسي و الخلقي و اللغوي ..

** يقول (مالارميه):( القصيدة سر)،هل لقصائدك اسرارها الخاصة؟
نعم-سيدتي-،
لكل قصيدة سرها الخاص :
سر خاص في كتابتها ،و سر خاص لقارئها، و سر خاص للذي تتحدث عنه…،
و اقرئي -حضرتك- سلسلتي( إليها…فإنها…..تعرف لماذا؟)،
تجدي ذلك ،فكل قصيدة منها تحكي سرا خاصا ،يدركه القارئ الذواق.

** تتغذى القصيدة من الامكنة ،هل بإمكان الشاعر ترويض المكان باللغة و إبداع قصيدة باي مكان؟
الشعر فن- كما قلت لحضرتك-،و الفن حالة نفسية ،و الحالة النفسية ليس لها قانون ثابت،
و الدليل -و حضرتك شاعرة كبيرة و تعلمين ذلك- قد يبدع الشاعر أكثر من قصيدة في فترة زمنية قصيرة جدا،ثم يستعصي عليه الشعر أياما بل شهورا، و العبارة الشهيرة عن الشاعر الكبير شاعر النقائص: إنه ليأتي علي وقت لنزعُ ضرس أهون من قول بيت من الشعر،
و قد يرتبط إبداع الشعر بالمكان، إذا كان المكان بملابساته هو موضوع الشعر.

لَوَّعْتَ قَلْبِي…… فَمَا أَبْقَيْتَ أَنْفَاسَا
لِلهِ قَلْبِي!! فَكَمْ فِي حُبِّكُمْ قَاسَى
أَنْفَاسُ حَرْفِكَ فِي صَدْرِي مُرَدَّدَةٌ؟
وَ الشَّوْقُ طَيَّ فُؤَادِي-وَيْلَهُ-جَاسَا
حَتَّى وَ أَنْتَ حَدِيثِي خَالِيَاً ،،وَ إِذَا
رَأَتْكَ عَيْنِي نَفَتْ-أَوَّاهُ!!!!- جُلَّاسَا
وَ يَفْقِدُ الْقَلْبُ نَبْضَاً حِيْنَ لَمْ يَرَكُمْ
وَ تَفْقِدُ الرُّوْحُ-كَالْمَخْنُوْقِ- أَنْفَاسَا
تَبَّاً لِحُبِّكَ!!!!!!!!!!!!!! تَحْلُو لِي مَرَائِرُهُ
وَ أَسْمَعَ الْقَلْبُ–مِنْ تَعْذَالِهِ-النَّاسَا

** هل القصيدة قلعة الشاعر الدائمة التي يحتمي بها و فيها من عواطف الحزن و الاغتراب و الشجن ،أم نافذة يطل منها عل أشيائه السرية العاطفية؟
هي هذا و ذاك،
فالشعر حصن الشاعر حين يضيق به الواقع، و قلعته حين يشعر بالاغتراب في مجتمع لا يشعر به ،و لا يعرف قدره مثلما عبر المتنبي :
و ما انا منهمُ بالعيش فيهم* و لكنْ معدِن الذهب الرَّغامُ.
و أحيانا يكون نافذه التي يطل منها على أحزانه الشخصية عندما يفيض به الحنين و يغلبه الوجد و هو عاجز عن التصريح و البوح المكشوف.

9_ هل القصيدة تحكي اسرارنا؟
طبعا -استاذة- تحكي أسرارنا،
لكنها تحكيها لمن نريده فقط،ا لأصحاب القدرات الخاصة ،فليس كل كل من يقرأ الشعر لديه القدرة على استكناه مضمونه ،و كشف أسراره،
بل يحتاج القدرات خاصة ،قدرات أولئك الذين يتذوقون الكلام و يشمونه كما يتذوقون و يشمونه الأطعمة و الفواكه،و يسمعون للحروف صوتا كما يسمعون صوت الكائنات الحية ، لطبيب يضع سماعته على قلب ليجس نبضه …،أولئك-فقط- هم الذي يكشفون أسرار القصائد ..

**هل تفوقت القصيد النثرية بسهولة ترجمتها إلى لغات على القصيدة العمودية؟

تفوق القصيدة النثرية مقصود و متعمد، و ليس لسهولتها.

** قراءة الإبداع بمختلف أجناس على الشبكة العنكبوتية هل عوضت عن حميمية و دفء الكتاب الورقي؟
لا يمكن لأي شيئ إن يعوض حميمة الكتاب المقروء-استاذة- ،
الكتاب المقروء كالحبيب :
هل حديث الدنيا كلها عن الحبيب سنوات طوالاً كلمس راحتيه بيديك؟!

وَ إِنَّا لَقَوْمٌ………. نَعْرِفُ الْعِشْقَ عِفَّةً
فَلَا حُبُّنَا عَيْبٌ….،وَ لَا نَرْكَبُ الْإِثْمَا
فَإِنْ كَانَ وَصْلٌ………… لَمْ نَهُمَّ بِرِيْبَةٍ
مَخَافَةَ رَبٍّ……. قَدْ أَحَاطَ بِنَا عِلْمَا
وَ إِلَّا ………..قَبَضْنَا بِالْأَكُفِّ قُلُوْبَنَا
وَ إِنْ كَانَ سَيْفُ الشَّوْقِ يُوْسِعُنَا كَلْمَا
فَكُنْ رَجُلَاً فِي الْحُبِّ لَا ذِئْبَ خِسَّةٍ
تُخَادِعُ قَلْبَ الْغِيْدِ ….تَمْلَؤُهُ حُلْمَا
تُدَاجِي بِهَا …..حَتَّى إِذَا نِلْتَ مَأْرَبَاً
أَوِ اعْتَلَقَتْ عَيْنَاكَ أُخْرَى-أَيَا فَغْمَا-
تَرَكْتَ لَظَى قَلْبِ الْغَرِيْرَةِ …..ثَائِرَاً
نَهَشْتَ بِهَا لَحْمَاً،وَ أَلْقَيْتَهَا عَظْمَا
وَ كُلُّ الَّذِي تَاْتِي…… سَتُؤْتَاهُ رَاغِمَاً
وَ رَبُّكَ لَا يَنْسَى…….،وَ يُمْهِلُنَا حِلْمَا

** عملية اختيار عناوين الدواوين و القصائد صعبة….،كيف تختار عناوين قصائدك؟
اختيار العناوين للقصائد يحكمها شيئان:
-المضمون- و الرسالة المقصودة ،
هكذا يكون اختيار العنوان.

**حدثنا عن قصيدة أو فكرة عذبتك كثيرا قبل ولادتها الأخيرة، و كيف كان صداها؟
قصيدة كتبتها في التسعينيات اولها:
رحل القلب خلف هذي الظباءِ
بعدَ وَبْلٍ من أمنيات الخواء
وقفت عند فكرة أردت أن استقصيها : و هي ان كل شيئ سهل على المحب إلا أن يحتاج محبوبه في بحث عنه و لا يجده، و لم أقنع بالصور التي التقطتها مخيلتي ساعتها فصبرت ستة عشر عاما حتى جاء موقف شبيه بالموقف الذي كتبت فيه و اكملتها ،
و طبعا هي من احب القصائد إلى و أكثرها تأثيرا على من سمعها مني.

** يرى بعض النقاد ان الشاعر إذا أضاف إلى شاعريته و أدبه روح الفلسفة و حكمتها يكون أقرب إلى تصوير خلجات النفس البشرية و التعبير عن وأحاسيسها بدقة،ما رأيك بذلك؟
الشعر واسع كاتساع الحياة -استاذة-،
كل المعارف و الفنون الأخرى تخدمه و تثقل من موهبة
الشاعر ، لكن الخوف من الإفراط الفلسفي العقلي ،فالشعر اساسه الإحساس و العاطفة ،و كلما ابتعد عنهما ضعف،بل كان هذا الإفراط سببا في القضاء على بعض المدارس الأدبية كما تعلمين -حضرتك-.

** هل تخدم المهرجانات الشعرية الأدب ام انها مجرد لقاء بين الأحبة و الاصدقاء من جغرافيا متعددة؟
الاصل ان المهرجانات الأدبية تخدم الأدب فهي و سيلة للاحتكاك الفني و تبادل الأفكار ،لكن للأسف أحيانا كثيرة تسيطر عليها المجاملات فتفقد قيمتها و دورها المرجو

**هل تفيد العزلة في ولادة الإبداع؟
الإجابة:
ليس شرطا أن تفيد العزلة عملية الإبداع ،و إن كانت توفر لها جوا أكثر ملاءمة ،
لكن هناك من لا يجيدون الإبداع ألا مع صخب الحياة،
فمما يُحكي عن احمد شوقي انه كان إذا استعصى عليه قول الشعر ركب عربته و الهب ظهر حصانه بسوطه فعدا عدوا سريعا فسهل عليه القول…،
المقصود ان ذلك ليس قانونا مطردا.

** النقد يهدف لإضاءة العمل الإبداعي ،ما رأيك بالنقد ؟ و ما رأيك بالالقاب التي يطلقها البعض على شاعر ما؟
أما عن النقد: فهذه من اهم النقاط في هذا الحوار-شاعرتنا-،
بالنقد الجيد هو عملية خلق متكرر للنص الأدبي، و ولادة متعددة ،و الناقد الجيد أدرى بالنص من ثاحبه-احيانا-،
فقد كان المتنبي إذا سُىِل عن معنى بيت من أبياته يقول: سلوا الشيخ- يقصد ابن جني راوي و شارك أشعاره-،
و انظري- حضرتك إلى ما صنعه العلامة محمود شاكر -رحمه الله تعالى- في كتابه ( المتنبي) الذي اعاد فيه ترتيب
حياة المتنبي من خلال اشعاره،
كذلك قصيدته( القوس العذراء) ،
و هما يعتبران نموذجان تطبيقيان لما ذكرته لحضرتك،
الناقد الجيد-استاذة- هو الذي يضع الإطار و القانون الذي يسير عليه الأديب فنضمن بذلك الحفاظ على المستوى المنضبط من الأدب،
و انظري -استاذة- لما توفر لدينا جيل من النقاد الواعين في العصر الأموي و العباسي الأول كيف أنتج لنا جيلا من الشعراء الكبار على امتداد هذين العصرين،
لكن أين ذلك الناقد الذي نستأمنه على هذه الأمانة الأدبية؟!
إنهم أصبحوا قلة استاذة- و لذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه ،
و من أكبر الأخطاء التي ترتكبها بعض برامج المسابقات جعل بعض الشعراء المشاهير محكمين فيها اكتفاءا بموهبتهم الشعرية دون أن يكون لدى كثير منهم دراية بالنقد و أصوله،
و هذا خطأ كبير :فالموهبة النقدية شيى،و الموهبة الشعرية شيئ ،
نعم قد يكون موفقا في الحكم -لذوقه الشعري – لكن ليس دائما،
فأرجو إعادة النظر في ذلك.
اما الالقاب:
فللأسف نحن كثيرا ما نبالغ في خلع ألقاب كبيرة على من لا يستحقون،
و هذا يخلق حالة من الفوضى الأدبية:
-ماساة: منح من لا يستحق ما لا يستتحق و منع من يستحق ما يستحق.

** هل طباعة الدوواين تؤثر على تقييم الشاعر و الكاتب؟
طباعة الدواوين -استاذة- تؤثر على انتشار الأديب ليسهل تقييمه ،ليس أكثر من ذلك.

**كلمة توجهها للقراء.
اقول لهم :
أنتم مقياس الجودة الأدبية،
فكونوا مقياسا أمينا،
أنتم الموجهون ،فبكم يرتقي الأدب،
فلا تمدحوا إلا الجيد،
فهي أمانة في أعناقكم،

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!