الشاعر رضوان بن شيكار رضوان يستضيف الكاتب محمد أمزيان المقيم في هولندا

أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الكاتب محمد أمزيان المقيم في هولندا
1. كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
أسير حرب الحياة. يستخدم أحيانا ذخيرة الكلمات ليتحرر.. وطريق التحرر ما تزال طويلة.
2. ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ “زينة الدنيا” التي أهداها لي مبدعها الصديق حسن أوريد. تحكي الرواية عن الماضي (السياسي) المتجدد. شرع الدكتور أوريد في استحضار وقائع تاريخ الأندلس مع “الموريسكي” ثم ربيع قرطبة”. “زينة الدنيا” يمكن اعتبارها، في نظري، قمة القمم في جنس السرد التاريخي الذي تبناه هذا المبدع.
وأجمل الكتب مثل أجمل النساء. هي سدرة المنتهى التي لا يبلغها المريد إلا بعد اختبارات نفسية وذهنية عميقة. لم أمر بهذه التجربة بعد، وقد لا أمر لها، ولكنني أستمتع حقا بكتابات راقية، سواء في الرواية أو الشعر أو الفكر. قرأت مؤخرا “جنة الأرض” للراحل مصطفى الورياغلي، وأذهلني هدوء سرده وصدقه. لا أدري لماذا لم ينل هذا المبدع حظه من العناية. قبل سنوات قرأت “حارث النسيان” لكمال الخمليشي. صدمتني قدرته على خلق حوارات سيالة مثل ماء النهر، متوازنة وبلغة سهلة على الهضم. قرأت أعماله اللاحقة أيضا، لكن “حارث النسيان” علقت ببالي. وقس على ذلك كتابة الراحلين شكري وزفزاف وكذا في الزمن الراهن عبد الكريم جويطي والصديق علي أزحاف المشاكس وغيرهما.
3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
في مجال الأدب، تعد “أوراق الخزامى” هي العمل الأول، وإن كنت “أخربش” الشعر منذ سن المراهقة إلى اليوم، وجمعت من كل ذلك نصيبا لا بأس به أفضل أن أحتفظ به لنفسي، لأن عوده طري لا يستحمل مخاطر النشر. اهتممت لفترة بالمقالة السياسية، وقبل ذلك اشتغلت في مجال التاريخ الحديث والمعاصر، وخاصة في منطقة الريف. وهذا الحقل هو الذي يشغلني أكثر، مع انفتاح الشهية على مواصلة تجربة الكتابة الأدبية.
4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
الحسيمة هي أكثر المدن التي أحس فيها بالراحة النفسية. لعل ذلك راجع لكونها مدينة بدون ذاكرة تاريخية متكلسة، ولذلك تلائمني. أسعى جاهدا للتخلص من “تكلس” الذاكرة التاريخية لأنها تتحول عندئذ إلى “وزر” بدل أن تكون “إزارا” يحمي من الضياع.
5. هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
بصدق وصراحة تامين، أنا لا أرضى أبدًا عما أنتجه. أنا جحود جدا في حق نفسي. تسعدني تشجيعات بعض القراء، ولكنني جبان جدا للاعتراف بحب ما أكتبه.
شرعت منذ مدة في كتابة الجزء الثاني من سيرة الروبيو. أرجو أن يكون جاهزا في ربيع السنة القادمة. بموازاة مع ذلك أشتغل على “بورتريه” لأحد الشخصيات الريفية المهمة في تاريخنا المعاصر.
6. متى ستحرق أوراقك الإبداعية وتعتزل الكتابة؟
حينما أتحرر، أعتزل.
7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟
وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
ليست لدي طقوس سوى الاختلاء أحيانا في الغابة لأصرخ بكامل صوتي حتى توجعني رأسي، ثم أشرع في تخيل بعض المشاهد والحوارات. أفكر بالريفية ثم أترجم للعربية، وأستحضر نقاشات الجيل الأول من المهاجرين سواء في المقهى أو المسجد. هل هذه طقوس؟ لا أدري.
تمر علي إبداعات شعرية تسحرني وأتمنى لو كنت أنا كاتبها، ثم أعقل وأتراجع إشفاقا على تلك الكلمات كي لا أزهق روحها التي أودعها فيها أصحابها. أعتقد أن لا أحدًا يستطيع إعادة خلق ما يخلقه مبدع آخر.. والتقليد ليس خلقا. هو تشويه ينم عن الفقر والبؤس.
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
المبدع والمثقف هو إنسان قبل كل شيء. كونه مبدعا أو مثقفا لا يعفيه من السير على قدميه في واقع يحاول التفاعل معه بالكلمات. ليست مهمتي تغيير الواقع. ما يشغلني حقا هو تغيير نفسي أولًا وأخيرا، وهذا في حد ذاته إنجاز جبار إذا تحقق. المبدع أو المثقف الذي يفشل في إقناع نفسه بضرورة التغيير، لا تترجى منه تغيير محيطه، وبالأحرى تغيير مجتمعه. هذا مع العلم أن المثقف أو المبدع لا يجعل من تيمة التغيير مشروع حياته، بل إبداعه ءحينما تتحول ملكيته إلى الغير ء هو الذي يتخذ حياتا أخرى يمنحها له القارئ، أو يموت فوق رف مكتبة خشبية أو حديدية كما تموت الحشرات حينما تنتهي دورة الحياة عندها.
9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
أعتقد أن الحرية أو العزلة هما مفهومان نسبيان. من حظ الكاتب أنه يستطيع كسر قيوده حتى ولو كان مسجونا في طوق من حديد. الحجر الصحي مثلا كان نعمة علي، لأنني أنهيت أعمال كانت تنتظر منذ مدة.. والعمر قصير كما تعلم.
10. شخصية من الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
لا أريد لقاء أحد من الماضي. لكل واحد زمنه وزمانه، والحاضر فيه ما يكفي لنستأنس به. انشغالي بالتاريخ ليس لاستعادته، ولكن لمحاولة فهم ألغازه. تحدياتنا الفكرية الراهنة، مصدر أغلبيتها هو العزف على أوتار الماضي مع إغفال فرص الحاضر، وهي كثيرة. يكفي أن وسائل كسب المعرفة الحالية تتيح أمامنا فضاء أوسع وأرحب لاستيعاب أحلامنا.
11. ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
لا أعتقد أنني سأغير شيئا ذا بال. الأخطاء التي ارتكبتها سأعيد ارتكابها عمدا لاتعلم أكثر. الاسئلة التي كانت تثقل رأسي في القرية لن تنبت إلا هناك. لذلك، لو عدت فسأعود لأتدحرج في الحياة كما تدحرجت في السابق. ما تزال آثار المعاناة هناك. كما أن حلاوة النجاح في البقاء على قيد الحياة، ما يزال طعمها على لساني. لا يهم أن تعيد ترتيب الأشياء، المهم أن تصنع مكانك حيث شئت وأنّا شئت.
12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
الذكريات فخ لا تدركه الأبصار. الفراغ موت مؤجل. أما الإحساس بالفراغ فهو الموت المؤكد. صعب أن تؤجل الموت حينما يطغى الفراغ.
13.صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن روايتك (أوراق الخزامى).كيف كتبت وفي أي ظرف؟
“الروبيو” هو منقذي. لا أخفي عليك أنني كدت أستسلم لقدر الفراغ الذي عشته بعد توقفي الاضطراري عن العمل. كانت تجربة السرد “التاريخي” في كتاب “التاريخ الآخر”، هي التي منحت لي رغبة المغامرة. قد يكون هذا الكتاب هو الذي اكتشف في داخلي شيطان السرد. حينما رأيت ظل “الروبيو” يلوح لي وأنا أمشي في الغابة لطرد كوابيس الملل بعد الانتهاء من تحرير “التاريخ الآخر”، أدركت أن هذا الشخص ملاك جاء من وراء الغمام لينتشلنى مما كنت فيه. لم أفعل بعد ذلك سوى أن أسايره في رحلة العودة إلى نفسه؛ إلى نفسي. في كل خطوة يخطوها، كان يكسر قيدا، يزرع وردة في أرض يباب، يدحرج حجرة في بركة راكدة. أشكر “الروبيو” لأنه مكتشفي ورفيقي ومؤنسي. وهو في الوقت نفسه نقيضي تماما.
14. ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
لا أعتقد أن الكاتب السردي في حاجة لداعٍ ما لكي يكتب. هو يزرع كلمات على قارعة الطريق. إن أينعت فذاك، وإن جفت تحت التراب اليوم، فستنبت يوما لا محالة كما ينبت الشيح في البراري القاحلة.
15.هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
عشنا ما يكفي من العمر لنرى كيف يتحول الوطن إلى مجرد حلم. الوطن هو أجمل حلم على كل حال.
16. كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
مع كثرة التفاهة التي تعمي الأبصار، أصادف نصوصا إبداعية، شعرا ونثرا، أعيد قراءتها لما فيها من روح مبدعيها. المبدع ليس ذلك المشهور بين المشاهير. المبدع في نظري هو الذي يدفعك إلى التفكير. هو ذاك الذي يدعوك بهدوء ليقاسمك أحاسيسه وأفكاره، كأنه يدعوك على فنجان قهوة.
17. أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
الذكرى كما أفهما هي تجربة. هناك الكثير من الذكريات التي بدت سيئة إبان وقوعها، لكنها مع مرور الزمن تحولت إلى محفز من أجل إعطاء معنى للوجود الذاتي فوق هذه الرقعة من الأرض. هناك آلام لا يبليها الزمن بطبيعة الحال، لكن الماء الصافي ينبع دوما من بين الصخور الصلدة.
18. كلمة أخيرة او شيء ترغب الحديث عنه؟
لعل قارئ هذا اللقاء يغفر لي هذا الكلام الذي قد يبدو هذيانا.. وقد يكون كذلك فعلا.

عن رضوان بن شيكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!