حوارات آفاق حرة. الروائي محمد فتحي المقداد.يحاور الروائي عبدالعزيز بركة ساكن

حوارات آفاق حرّة:

الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا

يحاور

الروائي عبد العزيز بركة ساكن. السودان

 

تقديم:

للقامات الشَّوامخ أن نقف احترامًا وإكبارًا لها، وما عسى قَوْلي أن يكون عن الروائيِّ العربيِّ السُّودانيّ (عبد العزيز بركة ساكن)، هذا الأديب الروائيُّ المُتمعّق بدقيق صنعته في الكتابة الرَوائيَّة، ضجيج كلماته هزَّ الشَّرق والغرب، وقبل عشرين سنة حينما قرأتُ الأعمال الكاملة، ومن ضمنها رائعة الروائيِّ الطيِّبْ صالح (موسم الهجرة إلى الشمال)، أيقنتُ: أنّ هذا البلد العريق بأصالته؛ فكما هو (سلّة غذاء الوطن العربيّ)، أيضًا هو نبع الحكايا والأساطير والأحاديث التي تُلامس شغاف القلب ببساطتها، وتُخالط الروح ببوحها الشَّفيف؛ ليُشكِّل ثُنائيًّا قرينًا للطيِّب صالح، وثلاثيًّا مع باقي الروائيِّين السُّودانيِّين. ليس غريبًا أن يكون نبتها الجديد هو: “عبد العزيز بركة ساكن“.

 ** عبدالعزيز بركة ساكن، كيف تقدّم نفسك لجمهورك ومتابعيك ومُحبّيك من الجمهور العربيِّ؟.

كَاتبٌ مِنْ السُودان، يكتبُ باللغةِ العَربية.

** بما أنك مقيم في النمسا، من شُرفة موقعك هناك أريد تقييمك لحال الكاتب العربي في بلاده، وبين أن يكون في بلاد الاغتراب واللّجوء؟.

لستُ مُغترِبًا في النَّمسا، ولكنَّني لاجئ، أو بالأحرى منفيٌّ من وطني السُّودان. أما حال الكاتب العربيِّ أو الإفريقيِّ؛ فيختلف من كاتب لآخر، وفقًا للَّغة التي يكتبُ بها. بالنسبة لي ككاتب يكتب بالعربيَّة، تُصنَّف أعمالي في فرنسا أو أوروبَّا، في فئة الرِّوايات المُترجمة الى لغة المهجر، تلك لا تستحوذ إلَّا على سوق ضيِّقة جدًّا فيما يُعرَض من كتب، حيث لا يزيد عدد القراء عن 20 بالمئة من إجماليِّ القُرَّاء، وهذا يختلف بالنسبة للكُتَّاب المهاجرين الذين يكتبون بلُغات المهجر، كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة أو الألمانيَّة، حيث يميل القُرَّاء والنَّاشرون إلى الكتب المكتوبة باللُّغات التي في بلادهم، تجنبًا لتكلفة الترجمة، وضيق سُوق الكتاب المنقول. وينطبق هذا الأمر على الجوائز، ومِنَح الكتابة وكلّ الأمور التي تتعلَّق بحاجات الكاتب، وفي غالب الأحيان على الكاتب أن يعمل لكي يعول أسرته أو نفسه، والحياة في المهجر عالية التكاليف، ماديًّا ونفسيًّا. أنا مُتفرِّغ الآن للكتابة والقراءة والسَّفر، وأتحمًّل مسؤوليَّة ذلك القرار بكلِّ شجاعة وصبر وجُنون.

** قرأتُ لك (رواية الخرب)، وهي تحفة فنيّة، وأستطيع تصنيفها تحت مصطلح (أدب اللّجوء) الحديث الظهور بوضوح وعلانيّة. فيها تقنية سرديّة ربّما تكون خافية، توقفتُ كثيرًا بالإعادة والتدقيق، عندما شعرتُ بالارتباك، وهي موضوع خروج الكاتب الروائي وإنابة البطل البديل من الرواية. هل لك في توضيح هذا الأمر؟.

أستطيعُ أن أقول بإيجازٍ، إنَّ مشروعي السَّرديِّ يقوم على التجريب، في كلِّ مراحل العمل الفنيِّ: بناء الرَّاوي، والشخصيَّات والمكان والزمان والحدث؛ فالرِّواية فنٌّ حديثٌ نسبيًّا، مقارنة بالشِّعر والفُنون التشكيليَّة التي هي قديمة قدم الإنسان، لذا أحاول أن تكون لي بصمتي الخاصَّة فيما أكتب، أي أُغامر بأن أكتب شيئًا يخصُّني، وهنا تَحَدٍّ للقارئ، إنَّها كتابة ضدَّ القارئ الكسول أو العجول، هي محاورة له، واختبار للذاكرة، وأيضًا اختبارٌ لي في أن أنهض بعمل في ظلِّ عاصفة من التجريب في كلِّ شيء، نعم قد أحاور نفسي كثيرًا، وأحاورُ أبطالي وألعبُ مع الرُّواة وأتلاعب بالزمن والمكان، وكلُّ ذلك وفقًا لضرورات تتخلَّق ما بين حركة سرديَّة وأخرى: ليست هناك فكرة أو لعبة بالمجَّان وغير ضروريَّة.

أكتبُ الآن تجربةً مختلفة قليلًا: إنَّها أربع روايات قصيرة، بدأتها منذ العام  2016 محورها الإنسان في المنفى، أوَّلها تقوم على محاورة “قصيدة الغراب” للشاعر الأمريكيِّ “إدجار آلان بو”، بعنوان “الغراب الذي أحبني”، الثانية تنهض على قصيدة للشاعر الفرنسيِّ “آرثور رامبو”، وهي رواية “الحياة الأخرى لزكريا”، والثالثة على نظام الكولاج في الفنِّ التشكيليِّ، بعنوان “سجين البرزخ” أما الرَّابعة؛ فهي التي أشرتُ إليها أنت “الرجل الخراب”، وهي تنهض على قصيدة الأرض اليباب للشاعر “ت. إس. إليوت”: ستصدر المحاولة كلها في كتاب واحد بعنوان، “سجين البرزخ” في العام 2023.

** في روايتك ( مُخيِّلة الخندريس) لاحظتُ توثيقك للكلام العامِّي السُّوداني، وربَّما هذا الأمر يكون غير مفهوم للقارئ العربيّ خارج السّودان، مع العلم أنَّنا في ثورة الاتّصالات الرقميّة والانتشار السريع. ما رأيك أن نجتمع ونلتفّ حول شعار (الفُصحى هي الحلّ)؟.

العاميَّات هي لغات في طور التكوين والفصام، وهي لغات غنيَّة جدًّا، أمَّا في السَّرد فهي أغنى من الفُصحى، التي لا تخدم التنوُّع الاجتماعيِّ والثقافيِّ في مجتمع مُتحوِّل وشديد الحساسيَّة السرديَّة؛ فالفصحى لغة معياريَّة، بينما هناك تحوُّلات كبيرة اجتماعيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة ونفسيَّة، خلقت لغتها الخاصَّة؛ فالروائي يحتاج لِبُنية شخصيَّات حيَّة. مثلًا، لا يمكن أن يتحدَّث راعي فقير غير مُتعلِّم، أو عامل بناء، أو حِدَادة، أو شُرطيٍّ، بلغة مثل: إلى أين تذهبين يا أيتها الطِّفلة اليانعة؟. على الرغم من بساطة الجملة، ولكنَّها تشير إلى مستوى تعليميٍّ مُعيَّن، ومستوى اجتماعيٍّ، بل واقتصاديٍّ أيضًا. في السُّودان اللُّغة تشير إلى المكان والزمان، بل النَّوع، على سبيل المثال، هناك جمل تخصُّ النِّساء فقط ـ وهي بالطبع ستكون بالعاميَّة أو اللُّغات المحليَّة؛ فلا يحقُّ لرجل جادٍّ أن يقول: “سجمي، أو: ووب علي”.

** أعمالك الروائيّة انطلقت من خصوصيَّة المكان في أحياء الخرطوم، وزواريبها الضيَّقة لرصد دقائق حياة القاع المُعدم والمُظلم، ما أهميّة هذه المواضيع في الكتابة والروائيَّة؟.

نعم، المكان بالنسبة لي ليس فقط كوحدة لوقوع الحدث، بل كل مكان لديه أدوات السرد التي تخصّه، أي أنّ المكان يعتبر تقنية سردية، مثلًا في رواية “الجنقو مسامير الأرض”، استفدتُ من طرائق الحكي المحليَّة الشفاهيَّة، وحوَّلتها إلى كتابيَّة، لذا، في رواية “الجنقو مسامير الأرض”، لا يُوجد بطل واحدٌ، أو شخصيّات أساسيّة وأخرى ثانوية، كلّ شخصيّة هي شخصيّة أساسية وتسرد، وتحكي وتفعل، وتُنظِّم زمانها ومكانها وتقود العمل. وهي الطريقة التي يحكي بها “الجنقو” عندما يسكرون في الحانات المحليَّة عند استراحة العمل، حيث أنّ أأن لكلّ فرد منهم الأهميّة الاجتماعيّة ذاتها التي يتمتَّع بها غيره، عدا صاحبة الحانة، وهي شخصيّة الأم في رواية “الجنقو”، حيث أخذت موقعًا سرديًّا يُماثل موقعها في المكان. ولأنّ “الجنقو” في واقع حياتهم يتحدّثون في شكل جماعيٍّ، فإن أحداث وثيمات الرواية السرديَّة مُتداخلة أيضًا: باختصار، المكان يخلق أدواته السرديَّة، أو تقنيَّة العمل الفنيِّ هي تقنيَّة لمكان ما، أقصد، السَّرد هو سرد لمكان ما.

** أصبحت الرواية العربيَّة تحتلُّ واجهة المشهد الثقافيّ؛ فهل ستكون ديوان العرب؟.

الأمر يتعلَّق بالتواصل، أي من الذي يقرأ الرواية؟. بل من هو الذي يهتمُّ بالأدب في الأصل؟

كان الشِّعر يمثل ديوانًا للعرب، لأنَّه كان حاضرًا في احتفالاتهم، وأحزانهم وأتراحهم وحروبهم وعشقهم وكرههم وفَرِّهم وكَرِّهم وميلادهم ومماتهم، أي كان الشِّعر دائمًا هناك، والشَّاعر لسان حال أمته، في الحقِّ ما كان الشِّعر يحتاج لشخص يُجيد القراءة والكتابة، أو يهتم بالأدب أم لا، كان يدخل كلَّ خيمة دون استئذان، بل يُعلَّق على أستار الكعبة للعابرين والمُقيمين والمُتسوِّقين.

في زماننا هذا، وخاصَّة في البلاد العربيَّة، لا تأثير للأدب على الحياة، ولكن العكس صحيح: يُحارَب الأدب، ويُلعَن ويُشرَّد الكتَّابُ ويُسجنون، ويحدث كلّ ذلك مع قلَّة القُرَّاء والمُهتّمين.

** مع اتّساع حريّة النشر المُتاحة، وكثرة ما يُكتب وينشر تحت مُسمّيات الرواية، هل هذا الكمّ الهائل سيؤثّر على جوهر ومصداقيّة الروائيين الآخرين؟. اطَّلعتُ على أعمال روائيّة افتقَرت للفضاء الزمانيِّ والمكانيِّ، أو كان خجولًا، لم يظهر إلّا على استحياء، أنت كخبير ذو باعٍ طويل، وخبرة عريقة، ما قولُكَ في هذا الأمر؟.

أنا ضدَّ الوصاية على الأدب، ومع حُريَّة أن يكتب كلّ من يشاء ما يشاء ويُسمِّيه بما يشاء، شعرًا، أو رواية، أو قصَّة قصيرة، أو كتابًا مُقدَّسًا، مع حريَّة الكاتب والمكتوب، دون أيَّة شروط، ولكنَّني أقرأ ما يعجبني فقط، وأهمل ما لا يعجبني.

وأؤمن جدًا، بمقولة كارل ماركس: “التراكم الكمي ينتج تراكما نوعيا”

فليكتب كلُّ من يستطيع الكتابة، وينشر إذا ما وجد ناشرًا، فالقارئ الذي سيدفع سعر الكتاب، هو الذي يُقرِّر، أيّ كتاب سيقرأ، والناشر الذي يدفع تكلفة صناعة الكتاب، هو من يختار الكتاب الذي سينشره.

وهنا ينهض سؤال: لمن تكتب؟. هل أنت تكتب لقارئ، أيّ قارئ، أم تكتب لأنَّ لديك ورقًا تُريد تحبيره؟.

لا تُدار العمليَّة الإبداعيَّة على المنع والسَّماح، إنَّما هناك آليَّات أخرى تحكم الكاتب والمُنجَز معًا، وهي أيضًا ليست أدوات خارجيَّة بحتة، كتلك التي تخصُّ القارئ، بل هي ترتبط بخيارات الكاتب نفسه، وعيه ورؤيته للعالم أيضًا.

فالرواية هي العمل الذي يُطلِق عليه كاتبه اسم رواية، والشِّعر ما يظنُّ كاتبه أنَّه شعر، إلا القصَّة القصيرة، فهي من عمل الشَّيطان.

** هموم الكاتب العربي بعد كتابة منجزه، ودهاليز جور النشر السّاعية أولًا للرّبح الماديّ أولًا، حتى الكثير ينشرون أعمالًا متدنّية المستوى، ومليئة بالأخطاء الإملائيّة والنحوية. ما رأيك وانت انتقلت بين عالميْن عربيّ وأوروبيّ؟.

دعنا نتحدث بصراحة، صناعة الكتاب هي مسؤوليَّة الناشر، على الأقلّ هنا في أوروبا، النَّاشر هو أوَّل من يقرأ، ثمّ يُبدى رأيه، ثمّ هناك مُتخصِّصون في اللُّغة والتحرير، يقومون بإعداد الكتاب، ويحدث هذا لأكبر الكتاب عمرًا وتجربة وأصغرهم عمرًا وتجربة، لا يُنشر كتابٌ دون أن يمرَّ بهيئة تحرير صارمة، وهم يتحمَّلون مسؤولية أصغر الأخطاء الكتابيَّة والصرفيَّة والنحويَّة، فالنَّاشر يدفع لهم ذلك.

فالكاتب ليس عالم نحو وصرف، نعم هو صانع مجازات وسرد، ما يحتاجه الكاتب أو الكاتبة: هو الحدُّ الذي يمكنهما من صياغة الأخيلة والمجازات والأداء الفنيِّ، ولا تضرُّ المعرفة العميقة بالنحو والصَّرف، بل مطلوبة في حدِّها الأدنى، ولكنها ليست كلُّ شيء. أمَّا الهنَّات الصغيرة والكبيرة، فمن مسؤولية صانع الكتاب، الذي يجب أن تكون عنده مُؤسَّسة مُؤهَّلة للنشر، وبإمكانه أن يدفع للمُحرِّرين والكتاب أيضًا.

ولكن يا للأسف الكثير من النَّاشرين في بلادنا، لا يهتمُّون بصناعة الكتاب، لأنَّ بعض الكُتَّاب يدفعون لهم مقابل النَّشر، بالتالي، لا يقوم النَّاشر بتجويد عمله سعيًا للرِّبح المرتبط بجودة العرض، لأنَّ ما دفعه له الكاتب هو قيمة الطباعة زائدًا هامش الربح؛ فاذا لم يَبِع ولو نسخة واحدة، فهو لا يخسر شيئًا، بالتالي: لماذا يُنفق على تحرير الكتاب وتجويده؟

هذا لا يعني أنه لا يُوجد ناشرون جيدون، ولكنهم قلة.

** معادلة الحريات الشخصيّة والعامّة والإبداع في بلادنا. ماذا تعني لك؟.

منع الكتب: من يقفل في وجهك بابًا، فإنّه يُعطيك كلّ الاحتمالات الأخرى، يتركك في فضاء شاسع لا نهاية له، ليست به بوابات تُغلَق، أقصد، يجعلك في مواجهة الممكن الفسيح. وهذا ما حدث لي بالضبط، منعت سُلطات الخرطوم العسكريَّة ومؤسَّساتها الأمنيَّة كُتُبي بقرار من وزارة الثقافة. لم أصرخ، أو أندُب حظِّي، أعطيْتهم ظهري، ووجهت إرادتي نحو الفضاء: “قُفلت بوَّابات المدينة؛ فأنطلقُ نحو الذي لا ينغلق”، كتبتُ هذا النص، ومن ثم طرتُ.

** معظم أعمالك منعت من النشر في الخرطوم، ومن الاشتراك في معارض الكتاب، وأنت العلم الروائي والفائز بعدة جوائز محلية وعربية وعالمية. ما الانعكاسات السلبية والإيجابية على إبداعاتك وجماهير قرائك؟.

كيف طرت؟ قمت بنشر كل كتبي في الشبكة العنكبوتية مجانًا، في صيغة “بي دي أف”، لم أحارب النَّاشرين اللصوص، ولو أنَّهم طبعوا كتبي طبعات رخيصة بائسة، ولكنَّها وصلت لكلِّ المدن البعيدة عن الخرطوم، لم أُعِر انتباهًا للحملات الأمنيَّة التي حاولت تحطيمي نفسيًّا والنَّيْل منِّي شخصيًّا، بل أنَّهم أعلنوا: أن لا يوجد كاتب اسمه “عبد العزيز بركة ساكن”، إنَّما هو لجنة من الكُتَّاب الشُيوعيِّين يكتبون روايات وقصصًا تضرُّ بالحياء العام. ولكنني، هربت خارج السُّودان عندما أصبحت حياتي في خطر، فأنا لستُ مُحاربًا، ولا أعرف كيف أستخدمُ السِّلاح، ولستُ جيدًا في الهرب والعويل ولا ممتازًا في صُنع جنازة لنفسي، كتلك التي فعلتها جدَّتي وهي حيَّة. هبطتُ مصر، ثمَّ إلى النَّمسا، ثمَّ إلى فرنسا: الآن كُتُبي تنشر في 12 لغة حيَّة، وأستطيع أن أعيش عليها، نعم بصعوبة، ولكن مصروفي اليوميِّ في حدِّه الأدنى، إذا أردت الحقيقة، أقول إنني أعيش حُرًا ومُتجوِّلًا في كلِّ الأمكنة، أقصد Nomad

وأفكِّر في تكوين رابطة للكُتَّاب الذي يعيشون مثلي. متجولون. بالمعني الحرفيِّ للكلمة، لا بيت لهم، نتبادل الأفكار والتجارب.

 ** كثير من الأعمال الروائية غارقة بالنسج الأدبيِّ، وبالرمزيَّة بحجَّة الكتابة الحداثيَّة ، وما بعد الحداثة، ما هي رُؤيتكَ لهذا الموضوع؟.

الحداثة ما نعيشه الآن، وما بعدها ما نعيشه وما تظهر ملامحه الآن أيضًا؛ فكيف نعيش ونكتب، وهي نحن مُنفصلون حقًّا عمَّا هو ماضي، أليس الآن شيئًا آخر غير تدوير الماضي، مثل تدوير النِّفايات، في رأيي لم: “يُغادِر الشُّعراء من مُتردِّم”، تلك مقولة “عنترة العبسيّ” ما زالت قائمة، نعيد خلق ما خُلق، ولكن بأنامل مختلفة ورؤية مختلفة، إذن ما بعد الحداثة: هي تدوير للحداثة، التي هي تدوير لما قبلها. تلك الجذور اللغويَّة والمعرفيَّة هي ذاتها التي ترضع الثمرة، تختلف المواقع اختلافًا وظيفيًّا، ولكن الهدف هو ذاته: فأنا مع كلِّ المحاولات ولا أحكمُ على أيّ عمل مُنتَج سلبًا أو إيجابًا؛ “فعندما تُقيِّم فإنكَ تتحدَّث عن نفسكَ، وعندما تُحلِّل فإنَّكَ تتحدَّث عن العمل الفنيِّ”؛ فأنا مع هذه المقولة، دع الأشجار تنمو، وأُفضِّل الذين يُجرِّبون ويفشلون على الذين يعملون في ظل آمِنٍ مطمئن؛ فالطُّمأنينة كما يقول “بودليغ”: دناءة روحيَّة، أنا أعشق الفاشلين، المغضوب عليهم الذين تمَّ لعنهم من المُؤسَّسات المُستقرّة، الذين خارج الذوق المُدجَّن، وأظنُّ أنَّ الكتابة حقُّ للجميع، حتَّى الذين يُنظر إليهم كعاجزين عن إجادتها، فمن هو الذي يمتلك حقَّ المنع والعطاء، غير الكاتب نفسه؟، أنا مثلكَ، لا أقرأ إلَّا ما يعجبني، ولكنَّني لا أعقِلُ ما لا يعجبني ولا ألعنه..

** كثير من الأعمال الروائيَّة بقيت تدور رحاها بمدار حكايات الجدَّات، وقيل وقال، أين هي من الأعمال الروائيَّة القائمة على البناءات السَّرديّة المُتوافقة؟.

دائمًا ما أقول، الرواية هي فنّ كتابة الحكاية. ليست هي الحكاية ذاتها. هي عمل الأدوات الفنيّة في الشفاهيّة، وتحويلها إلى عمل سرديٍّ له بعض القواعد التي تتشكَّل. أو هي هدم مُتعمَّد لقواعد سرديَّة في طور التشكيل. إذن، الرواية كمنجز فنيٍّ حديث، هي ليست ما يُحكى ويُتَخيل، بل العمل فيما يُحكي أو يتمّ تخيله أو يُعاش.

أما الموضوعات كما تقول جدَّتنا “فرجينا ولف”: كل الموضوعات تصلح لكي تكون رواية. وأنا اعتقد ما تعتقده الجدَّة فرجينيا ولف.

** إشكالية الإبداع والمحظورات (اليوتوبيا)، فهل مسائل الإبداع تكون راقية إذا تناولت القيم الاجتماعية والدينية والرموز بالتحطيم والتجديف في بحور الجنس الفاضح، ماذا تعني لك هذه المسائل، بعد تغير نمط عيشك في بلد أوروبيّ؟.

ليست هناك محظورات في الكتابة، وليس هناك ما على الكاتب أن يتجنَّبه، كلُّ شيء مُستباح للحبر. على الكاتب أن يلتزم بشيء واحد فقط، وهو الضرورة الفنيَّة. أمَّا الشُّرطي، ولجنة المُصنَّفات، والحياء العام، والذوق، والأسرة، والدِّيانات، والمُحرَّمات والمُحلَّلات، والأخلاق، والجنس، والعِفَّة والدَّجل وادِّعاء الطَّهارة، لا شيء يحدُّ من حُريَّة الكاتب، غير الضرورة الفنيَّة للموضوع، تجنّب كل ما لا يخدم النصّ، مهما بدأ برّاقًا ومُخادعًا، وهمسٌ لكَ بأن تفعل، عليك أن تَزِن كلَّ شيء بميزان الضرورة الفنيَّة.

 

** ككاتب روائيٍّ مُحتَرِفٍ، ما هي كلمتك الأخيرة التي تُوجِّهُها لمن يريد دخول عالم الكتابة الروائيّة؟.

نصيحة بسيطة، وضرورية، وهي: الكتابةُ حقٌّ إنسانيٌّ مشروع، ولكن الكتابة الجيِّدة لا تُنال إلا بالقراءة المُكثَّفة.

 

                 

*بطاقة تعريفية بالكاتب:

حائز على العديد الجوائز:

– على جائزة الطيب صالح للرواية في دورتها السابعة.

– وجائزة أدب عالمي 2016(فرنسا).

– وجائزة الأدب الأفريقي 2017 (سويسرا).

– وجائزة ادب المقاومة 2016(فرنسا).

– وتمّ اختيار رواية (مسيح دارفور) في ترجمتها الفرنسيّة ضمن أهمّ ستّ روايات أفريقيّة صدرت بالفرنسية في العام 2016.

– مُنح جائزة «بي بي سي» للقصة القصيرة على مستوى العالم العربي ١٩٩٣م عن قصته: «امرأة من كمبو كديس».

-وجائزة «قصص على الهواء» التي تنظمها «بي بي سي» بالتعاون مع مجلة العربي عن قصّتيْه: «موسيقى العظام» و«فيزياء اللون».

– وفي ٢٠١٣م قرر المعهد العالي الفني بمدينة (سالفدن سالسبورج) بالنمسا أن يدرج في مناهجه الدراسية روايته «مخيلة الخندريس» في نسختها الألمانية.

– وعندما حصلت روايته «الجنقو مسامير الأرض» على جائزة الطيب صالح للرواية عام ٢٠٠٩م، ليصدر بعد قليل قرار وزارة الثقافة السودانية بحظر الرواية ومنع تداولها.

– وقبل ذلك صودرت مجموعته «امرأة من كمبو كديس» عام ٢٠٠٥م.

– وفي ٢٠١٢م قامت السلطات بمنع عرض كتبه بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، في المقابل، توفَّرت لأعماله قراءات تنبَّهت إلى رسالته وإبداعيته ونبَّهت إليها

* الاعمال المترجمة:

– رواية (الجنقو مسامير الأرض) ترجمت إلى لإنجليزية والفرنسية والأمهرية.

– رواية (مسيح دارفور) ترجمت إلى (للفرنسية والنرويجية والإنجليزية والألمانية والاسبانية)

– رواية (مخيلة الخندريس) ترجمت إلى اللغة الألمانية، ويتم إعدادها كفيلم.

– نصوص قصيرة بعنوان (كسلا) ترجمت إلى االلغة الألمانية.

– رواية (سماهاني) ترجمت إلى اللغات التالية: السواحيلية والكردية وستصدر بالفرنسية في العام 2021).

– رواية (الرجل الخراب) ترجمت إلى اللغة الكردية، وتم تصويرها كفلم قصير.

– (امرأة من كمبو كدي)  و(ابنة الجزار) وقصص أخرى  ترجمت إلى اللغات التالية: للفرنسية والإنجليزية والتركية.

 

*قائمة بالأعمال الأدبية: 

رواية سامهاني/ رواية مانفستو الديك النوبي/ رواية مسيح دارفور/ رواية الجنقو مسامير الارض

رواية مخيلة الخندريس/ رواية العاشق البدوي/ رواية الطواحين/ رواية رماد الماء/ رواية زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة/ رواية ولائم النخس

*المجموعات القصصية:

امرأة من كمبو كديس/ موسيقى العظم/ على هامش الأرصفة

*كتاب:

ما يتبقى كل ليلة من الليل/ زوج من أجل أجاك الطويلة.

 

عمّان – الأردن

ـــــــــــا 5\ 5\ 2022

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

تعليق واحد

  1. كل عام وانتم بخير وصحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!