إضاءة على كتاب “مرايا من ورق” بقلم الروائي. محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

 

إضاءة على المجموعة القصصية

“مرايا من ورق” للقاصة “صوفيا الهدّار”. اليمن/عدن.

بقلم الروائي. محمد فتحي المقداد

المقدمة:

فن القصة القصيرة كلون أدبي، يعتبر مساحة حرة للتفكير والتعبير، تظهر فيها مهارات القاصّ جلية بطريقة إدارة فكرته، ومآلاتها الدلالية واللغوية، بهدف إبراز قضية ما لإيصال رسالة واضحة للقارئ، إما للفت النظر، أو للتحذير من خطر، وإضاءة الزوايا المعتمة في المحيط الاجتماعي، أو للإشارة للإيجابيات بهدف الحث عليها وتنميتها، ولفتح آفاق في الأذهان.

الأمر الذي اشتغلت عليه القاصة “صوفيا الهدّار” في مجموعتها القصصية “مرايا من ورق”، وللمزيد من الدندنة حول العنوان بأبعاده الانزياحية، المثيرة للتفكير بقضايا ذات أبعاد ورؤى، انبثقت من مرآة فكرة، ثم من مرآة الكاتب بحسّه الأدبي، ثم من مرآة نص انسكب على ورق، لتكون كل صفحة مرآة كبيرة جمعت المرايا كلها، لتعكس فكرة انزياحية العنوان الرئيس للمجموعة.

بهذا المنحى يمكن التوقف في رحاب عنوان المجموعة “مرايا من ورق”، المكون من ثلاث كلمات اسمين وبينهما حرف جر، يعني أننا إزاء جملة اسمية، دالة المرايا الزجاجية العاكسة لما يقع على صفحتها بمحاسنه ومساوئه، ربما تكون صادقة فيما تعكس أو كاذبة، وبعد كلمة “مرايا” يأتي حرف الجر “من” بقصد تفسير دلالة المرايا على أنها من ورق، دليل كاتب، وكتاب يحتوي على الصفحات الني ستكون بمثابة مرايا، تعكس طبيعة الأفكار والكلمات والجمل والتعابير، لتنعكس على ذهن القارئ بمحتواها الوازن المُثقل بقضايا مهمة، أرادت الكاتبة “صوفيا الهدّار” أن تمثل المرآة العاكسة لمحيطها وبيئتها على الكون أجمع، متجاوزة الحدود والحواجز.

وتتبدى فكرة انزياحية العنوان، بالمفارقة الظاهرة، الزجاج والورق، وكلاهما بتعبير الكاتبة مرايا. لكن المرايا بانبثاقاتها الفيزيائية ما البين السطح الأملس العاكس بنفسه، وما بين السطح الخشن الماصّ الذي بحاجة لآلة القلم، وما بين الصلب القابل للكسر، وما بين اللدن الطري القابل للطي والثني. من هذا الاتجاه يكتسب العنوان “مرايا من ورق” أهميته البلاغية والأدبية في إرساء ثوابت وصور، لتكون قاعدة انطلاق لرسالة الكاتبة.

 

وقفات مع المرايا:

وبالتوقف أمام بعض المرايا الورقية للمجموعة.

=مرآة (كوما) وتعني الغيبوبة: مفارقة العنوان بمعنى الغيبوبة، بينما النص هو تعبير عن مرآة الذاكرة العاكسة. (رائحة المكان تعكس صورة أخرى في وعيي، تأخذني إلى مكان قصي في الذاكرة)ص9. كذلك (ملامحه مألوفة لدي، بشكل غريب، أحاول أن أتعرف عليه، أن أتذكره، لكن لا أستطيع)ص9، و(تنساب الذكريات وكأنها شريط يمر أمامي بالعرض البطيء)ص15. يتبين أن الكوما بمعناها المقصود كعنوان تختلف معه الذاكرة الحية الني ما زالت تستعرض شريط الذكريات واستنهاض ذاكرة المكان. على الرغم من ثبات الذاكرة  والمتأرجحة بين النسيان والثبات.

=مرآة نص “مؤامرة ذبابة”: مرآة الورق عكست فكرة النص الطريفة الظريفة، التي جاءت على محمل الذاكرة الساخرة، بمزاوجة السخرية مع أكذوبة المؤامرة الخارجية والداخلية التي تولدت وتفتقت عنها آذهان الحرس لإيجاد عدو جديد، والذهاب إلى فكرة المؤامرة، التي تجد صدى واسعا   لدى القادة والزعماء. (همس لسيادته: أخشى يا سيدي أن تكون هذه مؤامرة، ربما هي ذبابة مسيرة أرسلها العدو، ربما تكون ذبابة تجسس) ص15. و(بعد ساعة أعلن مذيع التلفزيون الرسمي نجاة السيد الرئيس من محاولة اغتيال، دبرتها قوى أجنبية معادية) ص15.

= وفي مرآة نص “زار”: (أغمصت عينيها، واسلمت روحها للرقص، تحرر جسدها شيئا فشيئا من قيوده، لكنه لا يزال منقادا لصوت الطبل) ص17. حفلات الزار، وما يتخللها من مخالفات اجتماعية، والعودة إلى موضوع التنويم الاجتماعي والعودة إلى الخرافات كنوع من الدجل على العقول من المرتزقة والمنتفعين. وما يتخلل حفلات الزار من تحرش واستغلال جنسي للنساء، تحت ستار ريع الأوهام.

= مرآة نص “عندي موعد”: مرآة عكست ضياع الوقت، ولهاث المواطن البسيط من أجل موعد. ربما لوظيفة أو لوساطة عند مسؤول، وقطع كل الصعوبات وتجاوزها إلى عتبة الانتظار القاتل بلا فائدة.

 

الخاتمة:

“صوفيا الهدّار” ككاتبة تعتبر مرآة عاكسة لقضايا إنسانية كبرى، وتسليط الضوء على التحديات والصعوبات الداخلية والخارجية بطريقة حاذفة بأبعاد فكرية معمقة، ولفت الانتباه لمحاور الحرب التي تميت كل شيء، الإنسان، الحب، الحياة، الجمال.

وكل القيم الإنسانية  والاجتماعية  عكست مرايا الحارة، والبيت العتيق، ورفاق الطفولة، وذكريات الطفولة، وألعاب الطفولة، كل ذلك في أجواء ساحرة من الجمال والمحبة والألفة. وكانت الحرب اسست لمخرجات عملت انقلابا حقيقيا في بنية التفكير والحياة. وهذه المرايا عاكسة الحال والأحوال بصدق، ليكون سجلا صادقا للأحيال القادمة. ورسائل هذه المرايا وصلت مُرمّزة ومُشفّرة بحاجة لقراءة ما وراء السطور، وأخرى هي تُسلم نفسها بنفسها للقارئ بيسر وسهولة، كل ذلك بصيغة أدبية ولغة راقية منتقاة بعناية، فيها من الصور والتشابيه المحشودة لانضاج من أجل نص مُعتبَر.

عمان. الأردن

20/ 11/ 2022

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!