البيئة، والكتابةخارج المنظومةالثقافية/ بقلم:هشام سعيد شمسان( اليمن )

أديب وناقد يمني

□ تعد البيئة- بكل أنماطها-مصدرا أساسيا مهما للأديب، والكاتب، والفنان؛ﻷن بها تتعزز المدركات الحسية، والمعنوية، فتؤثر عليه بشكل، أو بآخر؛ﻷن منها يأخذ المضمون الجوهري لعمله، ناهيك عن كونها المعزز الوحيدﻷفكار الكاتب؛ بحيث تتحول إلى وسيلة تبلور أسلوبه الفني وطرق اﻷداء الذي يخاطب من خلاله المتلقي .

□ وتعد البيئة بكل أشكالها عاملا رئيسا في نفعية الأديب، أو الفنان فمن خلالها يسمو ، ويرتقي بأعماله الفنية، عبر تفاعله مع تقاليدها، وأنماطها ومنظومتها؛ بحيث يسقط كل ذلك على ما يبدعه .

إنها باختصار المصدر اﻹلهامي اﻷول للأفكار، والموضوعات ،التي تتشح بها كتاباته، سواء كانت بيئة قرية ، أو بيئة مدينة، أو بيئة بادية، أوحتى صحراء. فكل ذلك ينعكس آثاره، واستجاباته على اﻹبداع، بوجه عام .

□ إن البعض-للأسف- يؤمن بأن العمل الفني، واﻹبداعي يجب أن ينتهي عند حدود،و قناعة صاحبه -فحسب- وهذا مفهوم خاطئ ، ﻷننا بذلك نكون قد تجاهلنا أهم ركيزة تفاعلية، وهي شريحة المتلقي، المستقبل، الذي يوجه العمل إليه بدرجة أولى، ومن أجله يكون المنجز، فإن وافق العمل بيئته، وإسقاطاته الفكرية، والثقافية، واستجاباته الوجدانية ، نال قناعته، واستحق العمل اﻹبداعي البروز ؛ليضحى فيما بعد،له قيمته، وأثره الواقعي الحقيقي، وإن لم يكن ثمة أرضية مشتركة بين العمل اﻹبداعي وبيئة التلقي، فإن العمل- مهما كانت قيمته الشكلية، أوالتعبيرية-يموت بمجرد الانتهاء من تأمله، أو قراءته .ليضحى- بعدئذ- من مهملات ،ومخلفات التاريخ ، باعتباره لايمثل البيئة، ولايشبهها ، بل قد يحط العمل اﻹبداعي- أحيانا- من القيم التي يؤمن بها المجتمع، باعتباره يقع خارج منظومته الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والفكرية، ومنها منظومة العادات والتقاليد التي تآلف عليها، وتوارثها،جيلا بعد جيل .

□ فالقصة-مثلا- التي يستورد الكاتب فيها أبطالها، ومادتها، ومكانها من بيئات تقع خارج الصورة الذهنية لبيئة التلقي هي بيئات تمثل حالة من التمرد والانفصام الفكري للكاتب .

إن القصة التي نرى شخصياتها تأكل الهمبرجر، والبيتزا، وتحتسي البيرة، وتخرج فيه المرأة إلى الشارع، متبرجة، تلبس البنطال، أو الفستان، حاسرة الشعر، والوجه، ويلتقي فيها العاشقان على مقهى عام، ويركبان القطار، ويتواعدان في دار سينما، أومرقص مثلا، ويقبلون بعضهما في منتزه عام، وتحمل فيه المرأة جنينا من حبيبها، قبل الزواج، ، و تحضر المرأة الحفلات المختلطة، وتعود لبيتها بعد منتصف الليل. مثل هذه الشخوص واﻷمكنة، ببيئاتها، تعد أنماطا، طاردة، للتلقي في مجتمع مثل مجتمع اليمن ، مثلا، أوبعض المجتمعات العربية؛ ﻷنها بيئات اصطناعية من تكريس الخيال، ومراهقته الفكرية، وتمثل هروبا مرضيا من الواقع، يحاول الكاتب من خلالها أن يفرض على المتلقي واقعا دخيلا، لا مرآة له في واقعه، وإنما هو من تكريس أحلام يقظته، بعكسه على مايكتبه؛ لتمثيل قناعة ذاتية، لا تستجيب لمؤثراته المحلية التي يحيا وسطها،دون التفاعل معها.

□ فليعلم المبدع، أوالفنان بأنه مقيد بحدود بيئته التي يعيش فيها، وما يحيط بها من اتجاهات فكرية، وثقافية ،وسياسية، واقتصادية، ودينية.وعليه أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار ؛لكي يجد قبولا ورضى من جميع أطياف المجتمع البيئي المحاط به .

■ ومهما بلغ أدب الشاعر، أو القاص، أوالكاتب- بوجه عام- من رفعة وتوهج ، وإتقان فني وجمالي ، فلن يغني عنه كل ذلك، وهو يخرج على ثوابت مجتمعه، ومنظومته الثقافية، والفكرية، واﻷيدلوجية ؛ ناهيك عما سيحدثه ذلك التحرر، أو التمرد من اختلال في التذوق الفني، المبني في واقعه على منظومة التواتر الثقافي لذات البيئة .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!