قراءة في رواية: فوق الأرض. الكاتب: محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة:

_____________

قراءة في رواية: فوق الأرض.

الكاتب: محمد فتحي المقداد.

الناشر: الكاتب نفسه.

ط١/ب د ف/ ٢٠١٩م.

 

محمد فتحي المقداد، روائي سوري، ينتمي للثورة السورية، هذه الرواية الثالثة التي أقرؤها له. بعد روايتيْه: (الطريق إلى الزعتري) و(دوامة الأوغاد). وكلها تتابع ثورة الشعب السوري، ومآلاتها.

فوق الأرض، رواية تعتمد في لغة السرد أسلوب المُتكلم على لسان أبطالها تارة، وتارة أخرى يتدخّل المؤلف؛ ليُعلّق على سياق الرواية، ويُعلن خواتيمها في الصفحات الأخيرة.

تحتاج الرواية لكثير من الصبر والدقة في المتابعة، ليستطيع القارئ التقاط خيوطها، وإعادة جمع الأحداث لتصنع النسق الروائي ومعرفة الأشخاص والأفعال وتطور مسارها. فلا ضابط زمني للسرد الروائي؛ تارة تقفز بالحدث للأمام لتصل الى نزوح اهل درعا والجنوب السوري الى مخيم الزعتري في الصحراء الأردنية والأردن وباقي دول الجوار والعالم، وتارة تعود الى كتابة أطفال درعا على حيطان مدارسهم شعارات ضد النظام مستوحى من أجواء الربيع العربي، وتارة تأخذنا الى بلدة بصرى الشام جوار درعا لتتحدث عن أحد الناشطين الذي قتل أخاه النظام ونذر نفسه ليكون حفار قبور لشهداء الثورة… كما أن الشخصيات المحورية في الرواية متعددين ومتابعة حياتهم متناثرة بين ثنايا الرواية. ونحن كقارئين للرواية علينا أن نجمع شتات الرواية من كل هذا الحشد المستمر لمتابعة هذه الشخصيات. كما أن هناك استشهادات كثيرة في الرواية بروايات وشعراء وكتابات متنوعة تنقلنا من أجواء الرواية الى عوالم النصوص المنقولة.

تبدأ الرواية من تتبع واقع حالة الثورة السورية التي اعتمد النظام في مواجهتها على العنف المفرط واستعمال السلاح الذي أدى لسقوط الشهداء تباعا، حصل ذلك في مرحلة التظاهر السلمي في الأشهر الأولى للثورة السورية، التي حصلت على اثر اعتقال النظام السوري لاطفال من درعا كتبوا على جدران مدارسهم شعارات ضد النظام. أدّت الاعتقالات لقتل بعض الأطفال تحت التعذيب، كما كان رد النظام المذل لأهل الاطفال و وجهاء درعا، مبررا لبداية التظاهر وإشعال الثورة السورية التي سرعان ما توسعت في درعا والبلدات المجاورة لها. وامتدت لتصل لكل سورية تقريبا. هذه الثورة التي شارك فيها الجميع كل أبناء الشعب السوري؛ المهندس والمعلم والعامل والفلاح والشباب الداخل الى الحياة جديدا…الخ، كلهم لهم اسبابهم الشخصية والعامة من المظلومية واحساس القهر والاستبداد والفساد والطائفية والمحسوبية وغياب العدالة، ليكونوا جزء من الثورة ويتجاوزوا حاجز الخوف الذي جعلهم مستسلمين للظلم لعقود طويلة. سقط منهم الكثير من الشهداء وكان قرار النظام لمواجهة الثورة بالعنف والقوى المسلحة، مستعينا بالأمن والجيش والميليشيات الطائفية، جعل الثوار ينتقلون مجبرين إلى العمل المسلح لمواجهة النظام. الرواية تدين هذا الانتقال للعمل المسلح، حيث كان ذلك مبررا للنظام لينتقل إلى مرحلة القصف بالطائرات والبراميل المتفجرة واجتياح المدن وتشريد الناس، ملايين هجرت من بيوتها وبلداتها داخل سورية وخارجها، نموذجها مخيم الزعتري في الأردن، حيث أصبحت الحياة فيها أقرب لجحيم الصحراء وذلّ الحصول على المعونات وضياع مستقبل الأطفال ونسيان العالم لمأساة الناس الذين تركوا لتهدر انسانيتهم لسنوات دون عون أو حل. كذلك تورط الثوار بالعمل العسكري الذي كان مبررا للنظام ليفعل ما فعل من جهة، وتظهر فئة مرتزقة بدم الشعب السوري، بمال التبعية للمانح، بسلاح لا يؤدي لنصر ولا يمنع هزيمة، هذا غير الارتهان المطلق للدول الداعمة التي حولت الثورة لصراع أهلي ومحاربة الإرهاب وإدارة الأزمة وليس حلّها، حولتها لفوضى خلاقة على حساب دماء وحياة ومستقبل السوريين الذي أصبح في المجهول. لقد أصبح بعض المسلحين مرتزقة لا يختلفون عن النظام. سرقة المال العام والبنية التحتية، الائتمار بارادة المانح، يقول له حارب ويحارب، ويقول له توقف عن الحرب ويتوقف، حتى أصبحت خواتيم الثورة مؤلمة كيف توقفت الثورة في الجنوب السوري بأمر من الدول الداعمة؟!. وكيف انتهت مآلات الثورة في الشمال السوري حيث سيطرة جبهة النصرة المتهمة بانها قاعدة وارهاب؟ !!، كيف ولدت داعش واحتلت اغلب سورية من يد الثوار؟ !!، وكيف تلاشت داعش بعد أن قامت بدورها في تخريب الثورة السورية؟ !!. كيف رعت أمريكا إحياء حزب العمال الكردستاني ودعمته بالمال والسلاح تحت دعوى محاربة الإرهاب المتمثل بداعش، ليسيطر على الشمال الشرقي السوري وشرق الفرات ويجهّز لخطط تجزئة سورية بدعوى حقوق كردية في سورية. لقد أصبحت سورية مسرحا للعبة الدم بين الدول العظمى والإقليمية. مع صحة ذلك لا نتفق مع الرأي القائل بأن خطأ الثورة هو انتقالها للعمل المسلح وأن ذلك كان ذريعة للنظام لينتقل للعنف، بل العنف من النظام هو الأصل، ومثال ذلك فعل النظام في الثمانينات من القرن الماضي حيث قتل عشرات الآلاف من الشعب السوري، دون مبرر عسكري. وان فشل العمل العسكري للثورة كان جزء منه أخطاء الثوار، لكن الاصل هو الإرادات الاقليمية والدولية التي ارادت هذا الواقع وهذه المآلات، ولا نبرئ اي مخطئ بحق الثورة السورية والشعب السوري.

تتابع الرواية مصائر الثوار- كنماذج- عن كل الشعب السوري، الثائر الشهيد الذي يقتل بيد الأمن أو الجيش السوري، الثائر المعتقل، الثائر الهارب الى اوربا، البعض يموت في البحر والبعض يصل ليلتحق في قوافل اللاجئين ومجهول حياته الجديدة، كذلك واقع الداعمين للثورة من السوريين الذين يعيشون في أوربا والغرب عموما ودورهم في دعم قضية شعبهم مع قصر ذات يدهم ومحدودية تأثيرها.

أخيرا نحن أمام رواية تطل على واقع الثورة السورية من زاوية مختلفة قريبة جدا من معايشة حياة الناس أبناء الثورة وضحايا التطورات التي حصلت لاحقا.

انها انتصار لقيم الثورة الأصل إسقاط الاستبداد والفساد والطائفية والظلم والقهر والاستعباد، والانتصار لحقوق الشعب السوري بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، وتحرير سورية من جميع المحتلين وعودة الشعب السوري المشرد الى بلاده معززا مكرّما…

هكذا نأمل…

ولهذا يجب أن نعمل..

 

احمد العربي

١٠/٩/٢٠٢١م.

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!