قراءة في قصيدة  ( لو أن ) للشاعر محمد صوالحة بقلم أحمد وليد

لو أن
****** محمد صوالحة

لو أن البحر قريب
فأبني فوق الرمل
قصرا تداعبه أمواج الأزرق
او احفر قبري في
قلب الرمل
وإليك اهاجر
واصير شريك غيابك
أو أني بثنايا تلك الضحكة
اغرق
لو أن القمر أقل علوا
لأكون جوارك
أو بعضا من لونك
لو أني أقدر
أن اشعل
من جمر الشوق
سراج الليل
المطفأ منذ غياب
أو أني فوق
جسد سراجك
أراقص حلمي
او أني بلهيبك أحرق
لو أني
وهبت جناحا
من نور .. من ريش
او حتى من طين
لأطير إليك
أطقئ نار القلب
وبين يديك أقيم
صلاتي
وأعلن لاول مرة
اني يا انت لتلك
الضحكة اعشق
لو اني أقدر
أن انثر فوق
خلاياك
عبق الريحان
وانادي الشمس
حتى تعود
من بين ثناياك
تشرق

ابتدأ الشاعر قصيدته بحرف تمنٍّ تضمّن معنى الشرط وهو يفيد الإمتناع وغير الإمكان أي أن ما يتمناه الشاعر ليس في إمكانه أو لا يُمكن تحقيقه وأتبعه (أنّ) و هوحرف مشبّه بالفعل وظيفته تأكيد ما يقوله الشاعر فنجد الشاعر يتمنى لو أنّ البحر قريب ليبني قصرا فوق الرمال … من يقرأ هذا يظن أن الشاعر أراد القصر ليسكن فيه مع حبيبته لكن حلمه ليس كما قد يظن أو يتمنى كل مُحب عاشق مراهقا كان أم شابا فحلم الشاعر طفولي جدا هو يريد بناء قصر فقط ليرى أمواج البحر تقترب منه تداعبه و تهدمه إن صحّ التعبير ما زال يحلم كما الأطفال باللعب و الإستمتاع مع حبيبته . و يشيرُ للبحر باللون الأزرق ، فما علاقة الشاعر بهذا اللون يا ترى ؟ و لما يذكره دائما ببعض قصائده ؟ للون الأزرق علاقة وطيدة مع الوحدة و الإنسجام الذاتي والهدوء والثقة بالنفس لهذا نجد شاعرنا يذكره كثيرا لأنه يحسه بل هذا اللون يسكنه فهو لون يبث التوازن و الطمأنينة بالنفس ، مجرد أن تتخيله في شكل البحر أو السماء يخلِّصك فورا من ضغوطات الحياة و مشاعر الغضب . لهذا يذكره الشاعر كثيرا فضغوطات الحياة تؤرقه و هو يستحضره ليبتعد بواسطته عن كل ما يزعجه و يقلقه . بعد زُرقة البحر وهدوءه ينتقل فورا إلى موتٍ إفتراضي فيتمنى أن يحفر قبرا بقلب الرمل و يتخذه مٓعْبٓرََا يهاجر عبرٓه إلى حبيبته حيث هي . فيصبح و الغياب شريكان فهو يعرف تمام المعرفة أنه و إن هاجر إليها لن يلتقي بها فهجرته ستكون رحلة غياب أخرى تُضاف إلى غيابها هي عنه فهو بدوره سيذهب للبحث عنها حيث هي غائبة و هكذا يغيب بدوره هو أيضا ، ثم يعود ليستحضر ضحكتها و يتمنى لو أنه يغرق داخلها .

لو أن البحر قريب

فأبني فوق الرمل قصرا

تداعبه أمواج الأزرق

او احفر قبري في قلب الرمل

وإليك اهاجر

واصير شريك غيابك

أو أني بثنايا تلك

الضحكة اغرق

جاء النص عذبا سلسا يستحضر غياب المرأة ليس بصورتها و هيأتها و شكلها بل يستحضرها في غيابها و في ضحكتها ، ضحكة لا نعلم كيف هي فالشاعر ترك ذلك لمخيلة القارئ ليجتهد في استحضار تلك الضحكة التي ستكون أكثر من رائعة و إلا لما تمنى الشاعر الغرق فيها . والقصيدة بمثابة بوح تفضحُ مشاعر دفينة بقلب الشاعر فهي تتأرجح بين حضور للمحب وغياب للحبيبة ما يجعل المتلقي يبحث فيما يُضْمره هذا البوح الذي يُعلِنُ الحضور القوي للعشق والغرام ، هكذا يصبح الشعر تمثيلٓٓا تقابليا يعكس الحضور و الغياب فنحصل على نتيجة غير قابلة للتحول في أنتِ الغائبة ( الحبيبة ) و هو( أي الشاعر ) المنفرد المُتٓفرِّدُ بذاته و المغتربُ بها ( ذاته ) و فيها ( الحبيبة ) فيكون الحب هو صلة الوصل بين الحضور و الغياب .

لو أن القمر أقل علوا

لأكون جوارك

أو بعضا من لونك

لو أني أقدر

أن اشعل من جمر الشوق

سراج الليل المطفأ منذ غياب

أو أني فوق جسد

سراجك أراقص حلمي

او أني بلهيبك أحرق

ثم يعود ليشبه حبيبته بالقمر و هذا يظهر مدى حسنها و جمالها ، فيتمنى لو أن القمر قريب ليكون بجوارها ( هي قمر الشاعر) فهي تشبه القمر في الجمال و في البعد أيضا فالقمر جميل و بعيد جدا و كذلك حبيبة الشاعر بعيدة عنه كثيرا مثل القمر فهو يراها و يتمتع بحسنها لكنه لا يمكنه الوصول إليها ليكون بجوارها أو لينعم ببعض من نورها (أو بعضا من لونك ) . يتمنى لو كان يستطيع أن يشعل من جمر شوقه سراجا يضيء به ليله المظلم منذ غابت عنه حبيبته ، بل و يتمنى لو يستطيع أن يراقص حلمه فوق ذاك السراج لكن تعذر عليه ذلك و من يأسه تمنى لو أنه بلهيبها يُحرق( لهيب الحبيبة فشوقه إليها يلهبه ) هكذا يتجه الشاعر إلى خلق أمنيات غريبة و إعادة خلق فضاءات جديدة عن قصد محاولا خلق طريقة جديدة للعشق فهو لا تهمه نفسه بقدر ما يهمه قربه من حبيبته و لو كان هذا القرب فيه فناؤه فهو لا يبحث عن وصال لإشباع رغبة أو لذة بل يتمنى الوصال للوصال فهو كالفراشة التي تحرق نفسها و هي تدور حول مصباح النور غير مكترثة بنهايتها و كأنه بهذا يرسم أمنيات تعتمد على فضاءات بقدر ما هي رحبة و مضاءة نكتشف أنها ضيقة ومظلمة وهذا يندرج في تقنيات الكتابة التي تعتمد على التقابل والتضاد و تفجير اللغة عبر استحضار أمنيات من مخيلة تعتمد على الذاكرة تارة و على الحلم تارة أخرى . أمام هذه الموجة من الإنفعال الذي يولده غياب الحبيبة يتجاوز الشاعر واقعه و النمط الفكري السائد لهذا لا يمكنه التوقف في الكتابة عند حدود الكتابة التقليدية بل يتجاوزها إلى كتابة غير مألوفة لأن حبه خارج عن المألوف فهو لا ينتمي لواقعه من حيث حاضره المعاش المليء بالعقبات والعراقيل .. فالشاعر يعلم أن حبه غير متحقّق بواقعه لذا يبحث عن وسيلة لتحقيقه داخل الحلم أو من خلال كتاباته فنجده مازال يحلم و يتمنى ، يَخْلُق صورا و يؤلّف قصصََا، فيتمنى لو كان له جناحان من نور أو ريش أو من من طين لا يهم مما يكون الجناحان المهم أن يؤديا وظيفة الطيران حتى يتسنى له الطيران إلى حبيبته ليطفىء نار قلبه و بين يديها يُقيم صلاته و يُعلِن – لأول مرة – أنه يعشق ضحكتها فهو بهذا يصارحها ولأول مرة يظهر لها أنه يعشق ضحكتها . يتمنى لو أنّ له القدرة لينثر فوق خلاياها الريحان و ينادي الشمس لتعود و تُشرق بين ثناياها . إن هذه القصيدة التي بين أيدينا تبوح بكل ما يحاول الشاعر إخفائه وعدم إظهاره لحبيبته فهي ربما ليست غائبة كما يدعي الشاعر بل هي موجودة وحاضرة لكنه لا يستطيع البوح لها بكل حبه و أوجاعه و آهاته لأنه يعلم أن حبه مستحيل و أنها أي حبيبته لن تبادله نفس الحب . هذا الحب الذي تحوّل إلى وجع وألم يسكن وجدان الشاعر فنجده يتفاعل ذاتيا مع كلّ ما يكتبه و يخطه من حُبّ و وجد . هذه إذا هي حالة الشاعر مع حبيبته الغائبة الحاضرة فهي و إن حقّقت الغياب بين جنبات القصيدة فهي حاضرة بقلب الشاعر و وجدانه . بهذا الحضور المكثف للحبيبة إستخدم الشاعر تكثيف الجمل على أساس إختزال الصور الغير مرئيّة لإيجاد صورٍ لا تتوقف عند حدود الواقع و معوّقاته بل تتعدّاه إلى الغوص داخل الذّات و ما يدور داخل فلكها من أحلام غير متحقّقة و رغبات يترجمها الشاعر إلى أشعار يستخدم فيها التأويل للتعبير عما يدور داخل فكره و وجدانه .

وهبت جناحا من نور ..

من ريش

او حتى من طين

لأطير إليك

أطقئ نار القلب

وبين يديك

أقيم صلاتي

وأعلن لاول مرة

اني يا انت

لتلك الضحكة اعشق

لو اني أقدر

أن انثر

فوق خلاياك

عبق الريحان

وانادي الشمس

حتى تعود

من بين ثناياك

تشرق

جاءت القصيدة لتؤكد حب الشاعر و تمسكه بحلمه إذ يظهر لنا من خلالها أن هذا الحب ليس حالة إنفعال و مشاعر زائفة ستزول مع الوقت و إنما هي تعبير عن حُبّ حقيقي و إعلان لوفاء الشاعر لهذا الحب و إن كان مستحيلا . فالأبيات التي تضمنها هذا النص مدهشة تجمع بين الغزارة و الجمال لا يمكن للقارىء الإحاطة بكل معانيها . فقد جعل الشاعر محمد صوالحة من حبيبته معشوقة روحية تحرّك وجدانه و تلعبُ بمشاعره داخل حياة غير موجودة بالواقع فهي حياة غير مُخلّقة لأنها قابعة بالروح لا تبرحُها و لا تخرج منها ، كامنة داخل العقل لا تفارقه و تشغل تفكيره . هكذا يصوَّر لنا محمد صوالحة حبّه الروحي لحبيبته الغائبة الحاضرة أو الحاضرة الغائبة و ربما هي غير موجودة لأنها غير متحققة إلا من خلال وجدان الشاعر و كتاباته المدهشة .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!