قصيدة ” لا معنى مستعار ليحيى موطوال

آفاق جرة

قراءة الناقد الدكتور: سلطان الخضور

يبدو أن شاعر الحداثة المغربي,الشاعر “يحيى موطوال”, كان في حالة من الوعي التام وهو ينسج خيوط قصيدته” لا معنى مستعار” فقد عثرت عليه متلبساً, يستعير من مفردات العربيّة ما يخدم فكرته, وهي فكرة  التعبير عن القلق من الوضع الذي يراه يجنح نحو اللاجدوى. حيث جعل شرايين قصيدته تتشرب دماء القلق والأرق والوهم والهذيان والخوف من النسيان.

بدا الشاعر في مطلع قصيدته كمن يفغر فاه وهو يصغي باهتمام, أو كالمحدّق في حدث جلل, وهو ألم الجرح الذي يعاني منه, والذي يرى أنه سيقوده إلى الموت, لكن ما يريده من هذا الموت الذي ينتظر, أن يكون موتاً رحيماً مطمئناً, هذا الموت الذي كان نتيجة لأحداث سببتها تراكمات الأزمنة وفراغاتها التي تشكلت منها حالة اللاجدوى.

أُصغي لنغماتِكَ المُثلى

ترتل ألم جرح عليم

أنتظرُ موتيَ المطمئنَّ

قادمًا من فراغ الأزمنة”

    ويحاول موطوال في مقطعه الثاني, أن يتجاوز الأسباب التي أوصلته إلى هذا الوضع, بغض النظر عن المبرّرات التي يسوقها من كانوا سبباً فيه, وبات غير آبه ينظر إلى الوضع القائم باقتضاب, أي أنه لا يحتاج إلى تدقيق في الأمر أو تمحيص, حتى لا يشعر بالألم أكثر مما هو فيه, وذلك لأنه بعد ما مضى من وقت, وما مرّ به من أحداث, قد وصل إلى الحقيقة التي بات متأكداً منها, وهو يرى أن لا أحداً يستطيع  أن يغيّر من هذه القناعات التي توصل إليها.

أعلّق باقتضابٍ”

غيرَ آبه

بخطإِ التبرير،

أوصلُني لآخر الحقيقة”

وإن كان موطوالقد استعار كلمة “نوستولوجيا” للتعبير عن حنينه ومحبّته للوطن, وجعل منها حلماً يتنبأ به ويكتفي, لأن في استخدام كلمة “نوستولوجيا” تعبير مفرط قد يحاكي في شدة التعلقمرض الحنين للوطن, وكأنّه يريد فقط استخدام حروفه التي تبدو قادرة  للتعبير عن هذا الشعور. ولا مجال هنا للحديث عن “نوستوس” ولا عن “هوميروس والأوديسا” التي يبدو أنه مضطلع على تفاصيلها.

” حلماً أتنبأ به

وأكتفي

بـ” نوستولوجيا” الحرف”

   ويبدو أن الفلسفة التي اتكأ عليها في القصيدة, قد مكّنته لأن يجعل من ذاته شخصاً قادراً على فصم شخصية أخرى, انتزعها من شخصيته ليخاطبها, وليستعير من ذاته هذا السفر الذي وصفه بالمقفر, محاولاً أن يستعير من ذاته غيمة ليل تتنفس الأرق, ويجعل من نفسه استثناءً, ليجد رافداً يعزز ما ذهب إليه, أن البعد هو الذي كان سبباً في حالة “النوستولوجيا” التي يعاني, فهو يريد بهذا الاستثناء الذي وصفه بأنه مكثّف التأويل الذي يحمل عدّة تفاسير, أن يتخلص من هذه المعاناة, وما استخدام” نبوءة مقدّسة ” إلا لتصب في هذا الافتراض.

“أعيرني سفري المقفر

نبوءة مقدسة

غيمة ليل

يتنفس الأرق

علني أعثر

على استثناء

مكثف التأويل”

 وفي مقطعة التالي, يسعى يحيى أن يستعير أيضاًمن ذاته, قصيدة ميزها أنها عذبة الحب, لكنها عنيدة وتقية ومؤمنة, وهو بهذه الصّفات قد سعى ليصبغهابالثبات وعدم الاهتزاز وعدم التردد, بل السّير بخطى ثابته لأنها موشحة بالأيمان والتقوى, غير قابلة للانحراف.

“قصيدة

عذبة الحب

عنيدة العصيان

تقيّة الأيمان”

ويستدرك الشاعر في مقطعه التالي, ليستيقظ على حلم أطاح بآماله وأبقى لديه لوعة الحنين, ليصف هذه الآمال لمن يعيش الغربة, بأنها أحلام مطعّمة بالملح, يستدل بها على قساوة الغربة وشدة إيلامها, وليصفها أيضاً بالسّراب الذي يحسبه الظمآن ماءً,وإذا به يفاجأ عندما يجد أن ما حسبه ماءً هو مجرّد وهم, ليجعل ذاته الأصلية ندور في حلقة من الوهم, وأحلامه أشبه ما تكون بالنّفس المثقلة بالهذيان, وقد جعل من أماله وآلامه -على قساوتها-  قصيدة كبرياء, ليشير إلى عزة النفس وعدم الانجرار خلف التافهات من الأمور .

“غربة

ترتب فوضاي

سراب لا معنى مستعار

أوقد وهمي

الطافح بالهذيان

حلمي المالح

أملي المؤلم

قصيدة كبرياء”

 ويبدو أن حالة الهذيان التي أشار إليها في مقطعه السّابق, كان لها كبير الأثر, قد يكون أطاح بذاكرته لدرجة أنه بات من الصعب عليه أن يتذكر اسمه بطلاقة, فقد أصبح, إذا سئل عنه يهجأ حروفه, ليؤكد على ذات المعنى, وهي تلك الذكريات شاحبة الوجه, مصفرّة الملامح, تعصف بين الفينة والفينة بذاكرته, كما تعصف بهذه الذكرى صرخة البحر.

“أتهجأ اسمي

الذي تتخلله

صرخة البحر

ملامح ذكرى شاحبة”

  وفي فقرته الأخيرة, يوصف بوحه بالمطر الهاطل, الذي جعله يتململ من شدّته ويحاول الابتعاد مجبراً, لكنه لا يريد أن يذهب بعيداً, لأنه يشعر أنه وصل إلى حالة قد تؤدي به إلى النسيان, وهذا ما لا يريده, لأن هذا الشوق وهذا البوح قد أتعبه, وجعله في حالة من القلق الدائم, فهو يريد حنيناً آمنا, وقلقاً ناعماً, وأملاً قابلاً للصيرورة, لا يقود أي منها إلى النسيان.

“مطر بوح شجي

أضطر للابتعاد قليلاً

عن حدسي

المحشو بالقلق

ورائحة النسيان”

بهذه القصيدة  المبللة بالرمزية, والمقطرة بالمشاعر, والواضحة المعاني, وكثيرة الذبذبات والاهتزازات, يكون الشاعر قد عبّر عن نفس حالمة متأمّلة, عن نفس تواقة, لكنها مثقلة بالواقع الذي بدا بعيد الآمال عن التحقق, ما جعل ذاته مضطربة, تعصف الرياح بذاكرتها, ومما ولّد عنده الخوف من الحنين الذي حاول أن يعيش على شاطئه. 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!