*نقد وتلخيص وتحليل كاشف عصري /بقلم :مهند النابلسي

*غادر وطنه العراق بعد فشل ثورة عبد الكريم قاسم ويأسه من المستقبل إلى الجزائر. وهناك يلتقي بفتاة جزائرية يعشقها. وبينما هما يسيران سعيدين فوق العشب الأخضر يطاردهما رجلان معتبرين عشقهما حراماً.
*كيف تعشق جزائرية عراقياً?

*شعر مهدي جواد وهو في الجزائر بـ “غُربة”. كان يظن أنه في وطنه الثاني، “الغُربة” التي عاشها هنا أحبطته وهو الهارب من وطنه العراق لأسباب أيديولوجية، وفي لحظة يأس صعد إلى صخرة وقذف جسده إلى البحر “ليصبح وليمة لأعشاب البحر”. هل كان فعله مبرّراًً!؟ “رُبّما هو الإحباط”.

*في هذه الرواية تلقانا شخصيات تبدو ثورية تساند الثورة وتشارك فيها “الثورة الجزائرية” لكنها تفتقد بعض انحرافاتها إذا انحرفت فيتم اضطهادها مما يدفعها إلى التراجع عن ثوريتها. وأكثر من هذا نراها في النهاية تنحرف أخلاقيّاً كشخصية “فُلّة بو عناب” والتي وصفه العالم بأنها “الوجه الحي للثورة الجزائرية”.

“*فلّة بو عناب” الثورية تتحول إلى بائعة هوى بعد أن تحوّل وطنها– كما تقول – إلى “سوق”

تقول في الرواية:

“هم قتلوا مواهبي الأخرى وركزوا على موهبة التأوّه والصراخ الجنسي .. أليس هذا هو الاستعمار الحقيقي”.

“بمرارة تتحدث عن الوطن الذي امتهن بعد الثورة”.!

*وقد أحسن محمود العالم حين صدّر مقالة عن هذه الرواية بـ “نشيد الثورة العربية المجهضة” أتساءَل في الختام: كم من ثورة عربية تم إجهاضها حتى بعدما سُمي بـ “ثورات الربيع العربي”.

كم من ثائر سائد هذه الثورات في البداية بعد أن حلم بورديتها الربيعية، ثم انتقدها حين انحرفت فكان مصيره المطاردة أو الاعتقال أو الانزواء والهروب من واقعهوالهجرة…*يبقى السؤال الحائر هو:

*لماذا تجهض الثورات العربية؟

*يكمن السبب بغياب الديمقراطية والمسائلة وحس المسؤولية؟.

*من خلال قراءتي لملخص الرواية الذي ضمّنه محمود العالم كتابه “أربعون عاماً من النقد التطبيقي”، اكتشفت أن سبب منع الرواية يُعزى إلى أنها تُعرّي ثورات عربية التي تم إجهاضها أو التآمر عليها ونَسْفها من الداخل.كما انها تكشف كل المسكوت عنه في ممارساتنا!

*وصف كتاب وليمة لأعشاب البحر تأليف حيدر حيدر:
*إستغرق حيدر حيدر فى كتابة هذه الرواية تسعة أعوام، فأصبح الرواي مثقلة بلغة ومحتوى عميق، الجنون في هذه الرواية يخطف الأنفاس. الجنون في هذه الرواية مُلهم، تحتاج لتقرأها أكثر من صبر و أكثر من تركيز؛ تحتاج لتقرأها أن تتحرر من نفسك و أن تكون وفيًا لها في نفس الوقت.
و لهذا تعتبر هذه الرواية مميزة، لأنها تغيّر فيك شيئا مع شهقة الإنبهار و الإنخطاف. الجرأة و الوقاحة التيه و الفوضى المشاعر الإنسانية و هي تنطلق كخيل جامحة لا يحدها وازع و لا يكبحها إلا نوازع الذات ورغبات البوح والمصارحة وقول الحقيقة!

*رواية مجنونة غير مسبوقة في نمط الكتابة العربية  تحفل بالتفاصيل الوصفية للمشاعر والأشياء والطبيعة وتتميز بجراة وفضائحية وفوضى سردية منفلتة وتقتبس بعض انماط الواقعية السحرية والسيريالية لماركيز وغيره من معلمي هذه المدرسة الروائية  وهي تغوص بالعمق المسكوت عنه  في واقع الحياة السياسية والجنسية العربية بلا مرواغة ورتوش وتجميل وادعاء كما نلاحظ في نمط سرد الكثير من الروايات العربية المكابرة:

*سر التسمية :ص.371: نفض رأسه خارجا من ضباب البحر. أمسك بأعمدة الكذب والليالي السوداء فهزها. قال للغبطة النائمة تحت أعشاب البحر: أنت سفينتي . انقذيني من صخب هذا العمر!

*ص.370: ستظل المينة راسخة رسوخ الزمن فوق أساساتها الصلبة. حيث تسمع الحكايات وتستقبل العشاق والمجانين والبحارة واللصوص والزناة والمهربين والهاربين من اوطانهم واللواطيين. وفي غمرة تيهه وشروده وخوفه رأى فيما رأى: المدن البضاء والشوارع المنارة، وأشجار الدردار دائمة الخضرة، والسماء المليئة بالخطاطيف، وخفقات موج البحر، والصدى الليلي فوق نتؤىت الفجر، ودبيب الصراصير والنمال وهي تتسلق العشب، ولمعان المطر فوق الأرصفة…ثم فجاة لاحت امرأة فاتنة لعينة !

*ص.140: وبعد أن نفذوا حكم الاعدام بالثلاثة الحزبيين رميا بالرصاص أمام الرتل الذي كان يساط بالعصي والكرابيج واعقاب البنادق، حملوا اكثر من مئتي متمرد في الشاحنات العسكرية الى سجون العاصمة.

*ص.37: غرسوا في ذاكرتنا أن المسلمين والعرب كانوا غزاة وفاتحين، استعمروا اسبانيا وصقلية ووصلوا الى بواتيه، وكانوا يؤكدون لنا ان القرآن مأخوذ من الانجيل والتوراة، واللغة العربية لغة دين وشعر لا لغة علم، وهذا سبب تخلف العرب في العلوم والحضارة الحديثة…(بحوزتي كتاب قديم /1991/ لكاتبه اسماعيل الأمين بعنوان : العرب لم يغزو الأندلس.: رؤية تاريخية مختلفة).

*ص.178: حك صدغه ليزيح الكىبة فجاءت المدينة: مدينة الحب والشهوة والخيانة والسمسرة والصلاة والسطوة الاقتصادية. بونة يوليسيس والساحرات ومصاصات الدم والأمجاد الزائفة. وعلى الشعاع الخاطف العابر من خط الاستواء الأفريقي تراقصت فراشات وطيور تائهة ما عات تعرف الطريق الى الحقول ولا العودة الى الشرنقة.

*ص.274-275:  وهذه البونة مدينة اسلامية لا ترحم. عيون من النار والفولاذ. مدينة بربرية تتمخض ببطء من رحم الصحراء، زاحفة نحو الشواطىء. ان شمسها الافريقية الحادة تضرب الرأس كسهم ناري فتتوتر الأعصاب فيصاب العقل بجرثومة الشهوة والقتل. حيث يتمدد الغيتو الاسلامي المظلم كحيوان ديناصوري يتأبى على الانقراض. فعندما هبط ثوار حرب التحرير من الجبال المصبوغة بالدم، فكل مجاهد علق على صدره قرآنا عربيا، كان بمثابة الرقية ضد رصاص المستعمر الصليبي: ذلك الشيطان  الذي اكل الزرع والحليب وعناقيد العنب، وابرتقال، واغتصب البيوت الجميلة والنساء الجميلات والشواطىء الجميلة. وقد حدث ذلك خلال مئة واثنين وثلاثين عاما من الذل والعار والاستلاب والانتهاك، وان رست البوارج الحربية في ميناء سيدي فرج، لم تكن محملة بالكتب وقوانين حقوق الانسان وثورة اليعاقبة. تماما كما ترسو بوارج أمريكا حاليا لحماية الصهاينة المجرمين الدمويين؟

*ص.232: وهو يردد في سره: ربي خذ بيدي في مملكتي لآخذ بيدك في مملكتك. ربي زدني أرصدة في الدنيا والمصارف لأزيدنك ابتهالا في الآخرة. ربي لتكن منافعنا متبادلة وليتحقق القصد الذي من اجله ولدتني فأكون طفلك البار على هذه الدنيا الفانية.الواعدة بالاطاييب!

*ص.233:ففي لحظة خارقة من لحظات التجلي، وبعد أن يكون قد فرغ من العابه اليومية من النساء الى المقامرة  الى التوقيع على الاعدامات والصفقات التجارية، ومنح امتياز البحث عن البترول في البحر للشركات الأمريكية  ونقل وتسريح عدد من الضباط غيرالموالين والمشتبه بهم، سيختلي بذاته في غرفة من غرف قصره الذي شيده وقدمه له هدية في عيد العرش،ليرسم بهدؤ الخطة الشمولية لمعسكرات التطهير، وتخضير الصحراء، وعزل السلالة القنطورية عن بقية الرعايا بعيدا عن التلوث الغوغائي، وقد .نسي الكاتب المبجل أن يتحدث عن انغماسه الصبياني التافه بالألعاب الألكترونية، فيما يصدر قضاته الموالين احكاما بالاعدام على الفيسبوكيين المؤثرين لأتفه الأسباب ناهيك عن تقطيعه لأحد المعارضين السياسيين!؟ 

*وأخيرا: ص. 232: لا يجرؤ أحد في عصر الرعايا والمملوكين والمفتولين والضفادع وتجار السوق السوداء والمثقفين المسفلسين ببخار النفط وموالي الخط اللارأسمالي، فيرتمي في سمعه انه رسول العناية الالهية لاعادة مجد الامة المنهك، وأنه وريث عظمة الأباء والأجداد الذين يتقمصهم الآن. لأن ذلك كله كذب وادعاء! وقد اُبثتت مجزرة تدمير غزة ذلك بأنا عرب منحطين أوغاد ومتخاذلين…

**وأخيرا فأنا لا أستطيع هنا تجاهل محرقة غزة التي يمارسها النازيون/الفاشيون الجدد /الصهاينة المجرمين/ بحق أهلنا في غزة والضفة وفلسطين الحبيبة وتبا لكافة الداعمين الغربيين والعرب المطبعين وكافة الصامتين المرعوبين ولا غالب الا الله الجبار القدير  وما النصر الا من عند الله الواحد القهار…

*هوامش مقتبسة:

* “إنها لمسألة غير تافهة أن تسأل : في عالم اللامنطق وانعدام القانون. في العالم المحكوم بالطغيان وسطوة الآلهة والقتل وميراث الأجداد المنقرضين. عالم النزوة والمزاج والفردية كيف تفكر وتتحرك.كيف تتقدم. بل كيف تتشكل؟ العالم الصهيوأمريكي الغربي مع توافق عرب التطبيع؟!
هل باستطاعة الحب أن يتجاوز الحالة؟ وهل تأسيس حالة حب على نحو صحي ضد عالم النفي اللاعقلاني ينقذ العالم والنفس؟ الجواب لا أبدا؟

ليكن السؤال هكذا : الإنسان أولا أم المجتمع؟ وهل بالإمكان بناء عالم جديد بإنسان قديم ؟”
― حيدر حيدر, وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت

      

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!