الشعوب تدفع فاتورة الإصلاح لتعيش / بقلم الشاعرة فابيولا بدوي

تحولت مصر بامتياز إلي أم العجائب والصيحات السياسية‏.‏ فلا يوجد بلد في العالم اللهم إلا إذا ما كان قد حدث في بلدان لا نعرفها‏,‏ أن حاول مجلس نواب منتخب استصدار قانون خاص بمعاقبة الإساءة إلي أحد النواب بعقوبة قد تصل إلي ثلاث سنوات‏.‏

لا حول ولا قوة إلا بالله نواب الشعب لا هم لهم إلا التميز عن الشعب, وقد حدث هذا بالفعل فيما يخص البدلات والمكافآت والضرائب, لكن هذا وغيره لم يكف فيما يبدو, فهم بحسب رؤيتهم لأنفسهم أكبر وأهم وأعظم شأنا من أن يعاقب المسيء إليهم بشكل لا لبس فيه بقانون العقوبات الساري علي الجميع فيما يخص السب أو القذف, بل يريدون مواد خاصة بهم ومفصلة من أجلهم( وهنا لا نعرف المقصود بالإساءة هل شخصية أم تنتقد ممارستهم البرلمانية) كل هذا لا لشيء سوي أن هناك الكثيرين من أعضاء هذا المجلس تحديدا يجدون أنفسهم نوعا خاصا من البشر ولا يجوز أن يتساووا بالشعب الذي انتخبهم وجاء بهم ليمثلوه لا ليمثلوا به ويقفزوا من فوقه,

والأكثر إثارة للعجب أن البعض منهم علي الفضائيات يتشدق بأن هذا المجلس هو أعظم مجلس عرفته مصر في تاريخها النيابي. وهذا القانون المزمع عرضه ليس ببعيد عن الكارثة التي تابعناها من خلال برنامج شهير لنسأل فيه النواب, فمن بين كل أربعة نواب يوجد واحد فقط يتحدث بالمنطق والعقل وبتواضع ومعرفة, أما الثلاثة أرباع فهي حافظة عن ظهر قلب بعض العبارات تنثرها في وجوهنا, سواء أكان لها علاقة بما يقال أم لا, وكأن الأهم هو تكرار أنه في كل فترات الإصلاح لابد وأن يعاني الشعب ويدفع جزءا من فاتورة هذا الإصلاح, أو أن الكل يتربص بهذا المجلس المميز ويريد إحباطه, أو أن مصر لن تقع, إلي آخر العبارات التي تبدأ بالمؤامرة الكبري, وتنتهي بأن المصريين أقوي من كل الصعاب. ويتناسي هؤلاء السادة أن الشعب يدفع كل الفواتير, ونستثني هنا السادة النواب ففواتيرهم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بفاتورة الفقر والمرض. نعم من دون شك الشعوب تعاني في فترات الإصلاح لكنها لا تموت علي الاطلاق, فلو مات الشعب فقرا وعجزا ويأسا فلمن هذه الإصلاحات ومن سيتمتع بنتائجها؟

لماذا يظن غالبية النواب أن هناك من يتربص بهم؟ هل يرون في أدائهم ما يثير الأحقاد أو هلع البعض من افتضاح أمر فشلهم مقارنة ببراعة نوابنا؟ للمرة الأولي نري المتهم ينقلب شرطيا ومحاميا لمحاكمة القاضي الذي يدين أداءه واخفاقه وسلبيته. وبالفعل مصر لن تقع بشعبها وقيادتها الراغبة في نهضتها والتي لا يفهم إشاراتها نفس النواب وبالطبع السادة الوزراء الذين لا يجدون أي فائدة لهذا الشعب الضامن لبقاء هذه الدولة صامدة حتي تتخطي الأزمات التي تعانيها للدرجة التي بلغت أعلي حد للاستهانة به وإذلاله بسن قوانين أبسط ما يمكن وصفها به أنها قوانين ترسخ التمييز والتفرقة بين أكثر من تسعين مليون نسمة وأقل من ستمائة نائب, وكل ذنب هذا الشعب الذي يتم التخطيط لإهانته بمثل هذه القوانين هو أنه قد اختار قلة منهم ومرر البقية لتكتمل مؤسسات الدولة وتسير الحياة.

لو ركز نوابنا علي هموم الشعب ورأي التعاسة التي صارت جزءا لا يتجزأ من ملامحه بنصف قدر ما يركزون فيه علي أنفسهم ونجوميتهم ومصالحهم, والتفنن في قوانين ومواد تحصنهم وتمكنهم من افتراس المعارضين لهم, لكنا في حال غير الحال.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!