العشوائية والأيديولوجية المنغلقة لن تفيد بلدا ناهضا/ بقلم الشاعرة فابيولا بدوي

 

يبدو أن السيد دونالد ترامب المحتفي به دائما في إعلامنا‏,‏ يحمل إلي جانب انحيازه الشديد للرجل الأبيض بعضا من الجينات التي يتمتع بها وزراؤنا ومسئولونا بها‏,‏ وهي جينات مميزة يمكن لأي مراقب رصدها بمنتهي السهولة‏,‏ ولكن كيف ومتي وحتي لماذا‏,‏ في بعض الأحيان‏,‏ فهذه مساحة ضبابية نعرفها تماما‏.‏
فكما تصدر قرارات خاصة بالتعليم والصحة والدعم ورفع الأسعار لدينا, بالكيفية نفسها نجد التعامل مع جدار المكسيك الحدودي وطرد الملايين من المهاجرين غير الشرعيين من دون اتخاذ أي خطوة علي أرض الواقع, حتي إنه لا توجد أي مؤشرات لقرارات أو أرقام يمكن التعويل عليها كبداية لتنفيذ هذا الشيء الهلامي الذي يطلق عليه قرارات.
الشيء نفسه ينطبق علينا مع فارق بسيط هو تنفيذ القرارات بصرف النظر عما كنا نفهمها أو نرحب بها من عدمه, ولكن في كل الأحوال يبدو أن الأمر ليس محبطا بالكامل فإما ساكن البيت الأبيض يقتدي بنا أو أننا تقدمنا بسرعة مذهلة وبتنا نحاكي أمريكا في قيادتها الجديدة, والحالتان أحلاهما مر ولا يمكن تفضيل حالة عن أخري, فكلاهما يبعث علي الحيرة, والعبارة الواحدة الثابتة باتت ماذا بعد؟. فلا المهاجرون بعدم اتخاذ أي خطوات إجلاء تجاههم يشعرون بالاستقرار, ولا مواطنونا يشعرون بأي آمال مطمئنة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وعدم وجود أي إصلاحات أو حتي مجرد بدايات للقطاعات الحياتية الحيوية كالصحة والتعليم وغيرهما, ليبقي السؤال المطروح هو نفسه من دون تغيير.
قد يكون هذا الكلام بلا معني أو جديد إلا إذا ما حاولنا استيعابه من منطلق أن الوقت لم يعد في صالحنا, فالمتغيرات العالمية في كل الحالات لن تضيف إلينا, بل يمكن أن تسحب من رصيدنا. فبعد الولايات المتحدة ستأتي أوروبا بكل ما يمكن أن تحمله بعض بلدانها الكبري من تغيرات سواء علي المستوي الرئاسي أو التشريعي, مما يعني أن سيطرة الأفكار المتطرفة علي صناعة القرار أمر وارد ولا فرار منه.
يقودنا هذا إلي أن خريطة العالم الجديدة لا تصب في صالح شعوبنا ولا منطقتنا, فلماذا لا نترك مسألة تقييم العلاقات الخارجية لقيادات البلاد ويلتفت إعلامنا لهمومنا من جهة ولفتح نقاش مجتمعي حول ملفات حيوية تحتاج لحوار جاد ومجد حولها.
أما مبدأ محاكاة الغير سواء علي حق أو باطل, واعتبار أن الانغلاق والعنصرية شيء عابر لا يجوز أن نلتفت إليه ونصر علي عقد المقارنات بين بعض ما هو سييء لدينا وبين الأسوأ في محاولة بائسة للظهور بمظهر الأفضل. أو التعامل علي أن صداقتنا بالعبث هو فضيلة يمكن أن تنهض بنا.
التعامل علي مستوي العلاقات الخارجية لا جدال حوله ولكن ليت الأمر يظل في هذه الحدود كي نظل في المنطقة الأكثر أمانا خصوصا وأننا بعد فترة سوف نكتشف أن ما كنا نزايد به لا طائل منه, وأن العبث لن يعود علينا مع مضي الوقت إلا بالحرج, فالقرارات العشوائية كما في واشنطن اليوم أو المرتكزة علي أيدلوجية بعينها كما في أوروبا الغد, من المستحيل أن تتسق وبلد يحاول النهوض ومسايرة المستقبل لاستعادته مكانته التي فقدها نتيجة الكثير من الإهمال الداخلي والصلات الخارجية الملتبسة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!