تكنيك الزومبي ودراكولا / بقلم- مدحت عبد الجواد

لصحيفة آفاق حرة:

_______________

 

تكنيك الزومبي ودراكولا

 

بقلم- مدحت عبد الجواد.

كثيرًا ما كنا نشاهد أفلام الزومبي أو دراكولا، فننظر إليها على أنها ضرب من أفلام الخيال المرعب، وكنت أسأل نفسي ما السر في هذه الأفلام؟! هل يقصدون بها إدخال الرعب لنفس المشاهد؟! وهل هذا هدف جدير بكل هذا الجهد ؟! أسئلة كثيرة كانت وقتها تدور في نفسي .
واتضح لي أن الأمر أعمق من ذلك بكثير، ولنبدأ في الأمر منذ بداية نشأة الفكرة، فلقد نشأت فكرة دراكولا على يد الأيرلندي ( برام ستوكر) عندما أصدر روايته عام 1897م، وقد استوحى قصتها عن حياة ( فلاد المخوزق دراكولا) ابن الأمير الروماني ( فلاد دراكول التنين) والذي حكم (1456- 1462م)، ويعد من الأبطال الوطنيين الذين تصدوا للاجتياح العثماني، وهذا يفسر استلهام المؤلف للفكرة، وتعميقها إلى رمزية بعيدة، تصنف بعض توجهات لطبقات مشابهة من أفراد حقيقيين في المجتمع، يتصرفون وفق قانون ( دراكولا)، منح هذا الرمز للمؤلف حرية؛ لتصوير أنماط عديدة من شخصيات المجتمع، وأعطاها أبعادًا أكبر؛ لتقديم تفسيرات منطقية؛ لتصرفات كانت فيما قبل تعد غير منطقية، كما منح غير المتوقع صفة المتوقع، وهنا كسر حاجز التوقع لدى القارئ أو مشاهد العمل، ومع الوقت ازداد استخدام الرمز فأصبح كأنه شخصية حقيقية، يألفها المجتمع، ومن وقت لآخر اتكأ عليها العديد من المبدعين؛ لتصوير إبداعهم وإعادة ترتيب العلاقات البشرية .
أما الزومبي كانت فكرة تالية أكثر عمقًا، فالزومبي تعني : الجثة المتحركة بفعل وسائل سحرية، ونشأت في الأدب عندما تناول ( ويليام سيبروك) في روايته الجزيرة المسحورة عام 1929 م؛ ثم تتابعت الأعمال، مثل : فيلم ليلة الموت للأحياء الصادر عام 1968م، ويعد من أشهر أفلام الزومبي للكاتب ( جورج روميرو)، وفكرته عن فكرة رواية كاتب الخيال العلمي الأمريكي ( ريتشارد ماثيون) عن روايته ( أنا أسطورة).
هذا التكنيك ذهب أبعد من غيره، فأنت تستطيع عن طريقه عكس العلاقات الإنسانية وتغيير مجراها عن طبيعته، ولنقدم مثالًا: فإنك إذا تتبعت في علاقات الحياة العادية علاقات بين الأب والأم والأبناء، تكشف لك عن علاقة محبة وتعاون وقد تضحية وغيرها… هذا الطبيعي، فتخيل أن ( الأب و الأم) أصيب أحدهما، وتحول إلى زومبي، هنا يبدأ بالهجوم على الأبناء وتنعكس العلاقة فيحاول الأبناء الفكاك منهما بل الدفاع عن حياتهم حتى لو تطلب الأمر قطع رأس ( الأب والأم )، الأمر هنا يرفع من قدر غريزة البقاء على الحياة على كل الغرائز الأخرى، وتنعكس العلاقات، هذا يمثله في الحياة العادية بعض أفراد نسمع عنهم في حوادث غريبة يصعب تصديقها، كأب قتل زوجته وأبناءه، أو زوجة قتلت زوجها أو العكس، ولقد سجل لنا التاريخ صنوفًا من أحداث تاريخية تشبه هذه الحوادث، في تاريخ الصراع على الحكم والسلطة، مما دفع الأخ أن يقتل أخيه، والابن أن يقتل أباه؛ ليصل إلى سدة الحكم.
نعود لتكنيك الزومبي ودراكولا، هذا التكنيك رغم أنه ارتكز على بداية مبعثها المجتمع إلا أنه استخدم كأداة غيرت شكل الرمزية فلم تعد الرمزية لفظية بل تحولت إلى صورة حية مجسدة، ومثيرة للمشاعر المتناقضة، وقد تكون منفرة أومخيفة أو …، فكم من ظالم في المجتمع يأكل أموال الضعفاء ويأخذ حقوق الفقراء، أليس هذا يشبه الزومبي الذين يأكلون لحوم البشر؟! أليس هؤلاء يشبهون دراكولا ويشربون دماء الضعفاء! إن فكرة عكس الموت وإعادة الحياة للموتى وإن كانت فكرة خيالية إلا أنها في نفس الوقت فكرة عميقة لتغيير المتوقع، وتجسيد الصورة المنفرة للغرائز البشعة، وكشف الزيف والكذب في العلاقات، وتعرية الإنسان من كافة أقنعة الخداع .
فهل يمكن للمبدع العربي أن يستخدم التكنيكين السابقين في التعبير عن المجتمع، والتعبير عن المشاعر، أم سيظل متفرجًا وهو لا يعي حقيقة الأمر.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!