fbt

خير جليس/بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

_______________

 

خَيْــــــرُ جليـــــــــــــــــسٍ

 

بقلم الروائي- محمد فتحي المقداد

 

( نشرت في جريدة أخبار اليوم السودانية بتاريخ ١٠/٧/٢٠٢١)

(5)

 

هل سيأتي اليوم الذي ستنقلب فيه الكثير من الرّؤى، والسُلوكيّات؟، وعلى الأخصّ طائفة القُرّاء والكُتّاب، ومُدمني المُطالعة، وذلك بتغيّير الموقف من الكِتاب الورقيّ.

والمقولة الخالدة ما زالت نابضةً بالحياة: “وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كِتابُ“. من غير المُتخيَّل أبدًا اِسْتبدال هذه المقولة بشبيهتها: “وخيرُ جليسٍ في الموبايل بَدِي إِفْ“. بالطبع “الموبايل” المُرتبِط “بالأنترنت”.

قد يتبادر إلى ذهن القارئ. ما هذا الكلام الهازئ بطبيعة وقُدسيّة الكِتاب الورقيّ، الذي ما زالت تعجُّ به المكتبات، ودور النَّشر تستقطب المؤلّفين؛ لإصدار نَتَاجاتهم الفكريّة مطبوعة ملموسة، كحقيقةٍ ثابتةٍ غير قابلة للجِدال أو النّقاش أبدًا.

بوقفةٍ بسيطةٍ مُتأمّلة للمشهديّة الثقافيّة على الصعيد العالميّ؛ تتجلّى بوضوحٍ تامٍّ طبيعة الصِّراع في أقسى صُوَرِها بين القديم والحديث، بينما مُصطَلح المُحافظين المرموز لهم عادة باليمين، مُؤخَّرًا أُضيفتْ لهم صِفَة ذميمة ذاتُ أبعادٍ سِياسيّة، ألَا وهي التطرّف، وصار اليمين المُتطرّف مُثيرًا للخوف، والقلق، وخطَرًا على السِّلْم الاجتماعيِّ. هكذا جرى الخلطُ بين المفاهيم، لتجييرها لصالح السياسة، بإعادة تشكيل عُقول البشر، وتشويش الرُّؤَى.

ما زال القطَّاع الأكبر من القُرّاء على مختلِف طوائفهم، وانتماءاتهم، مُتمّسكين باقتناء الكتاب الورقيِّ، رغم أنّ الإلكتروني مُتاح بسهولة، ومجانًّا، بالمُقابل ما زالت أسعار الكُتُب الورقيّة مُرتفعة القيمة، وبحاجة للمكان داخل البيوت، والشُقَق الحديثة بمساحاتها التي تضيق بِسَاكنيها.

هُواة القراءة ومُدْمِنيها، يرفضون رفضًا قاطعًا فكرة الانتقال لاستخدام الكتاب الإلكترونيِّ، ومُواكبة التطوّر التقنيِّ على كافّة الأصعدة الحياتيّة. بحُجّة اِشْتراك حاسّة اللّمس مع الشمّ لرائحة الوَرَق المُمَيّزة، وتقليب صوت الأوراق كأنّه يقرع أبواب القُلوب للتعلّق بالورق إلى هذه الدّرجة. مع فُنجان القهوة الصباحيِّ أو المسائيِّ، رائحة القهوة تنسجم مع رائحة دُخان السّيجارة، والانغماس في متاهات الأفكار بعيدًا عن المحيط والواقع. ورُبَّ قائل من مُناصري الكتاب الورقيّ والمُتعصّبين له: “وماذا لو انطفأت شبكة الأنترنتِّ في الدُّنيا يومًا ما، ونحن بلا ورق وكُتبِ ووثائق، فما هو مصيرنا..!!؟”.

الصّراع سِمَة الحياة، بين القديم والجديد، فمن يستطيعُ الحِفاظ على موقعه والثبات فيه، بينما في المُقابل هُناك من يتقدّم غير آبِهٍ بالحواجز والعَقَبات، يريدُ كسر الحواجز والحُصون، لتثبيت أقدامه، حيثُ تقدّمَ ووَصَلْ؛ لتسجيل انتصاراتٍ تُحتَسَب له مع مُرور الأيّام. والمُدافِعُ ستَخُور عزيمته، وتَتَهاوى حُصونه بفعل ضرباتٍ تِلوَ الأخرى.

عمّان – الأردن

10\ 7\ 2021

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!