عِنْدَمَا تقرأُ رسالةً الكترونيّة من صديق

بقلم:مجيب الرحمن الوصابي

“عِنْدَمَا تقرأُ رسالةً الكترونيّة من صديق؛ يبرزُ صوته في بعض التعبيرات الخاصة به فكأنّك من الناحية العملية تنصتُ لكلامه” هذا ما يذهب إليه علماء اللسانيات العرفانيّة حديثاً.
ونحترم أيضا حَنينَ المخضرمين لخشخشة الورق ودهشة الخطوط التي كانت أحياناً بالدَّمِ أو الدَّمع.

مِنْ رسائلِ الإخوانِ، الأصحابِ والخِلان “الخَطِّيّة” جذورُ” أدبِ الصّداقة” امتدَّتْ لتنموَ مزدهرةً، وبالعفوية والحريّة والمباشرة تميّزت الصداقة في آدابها مع الثورةَ الرقمية، فلم نَعُدْ نقرأ مقولةَ : “اسْتَبْطَأتُ رَدَّكُم” أو نسمعها لأنَّ البريدَ (الحلزوني) اختفى أو يوشك.

نُسميّه “أدبا” متوسِّلين معنى اللفظ الواسع ومتوسِّمين تأويلاته المتفتِّحة خَلْقاً وجمالاً وإبداعا؛… عنايةٌ صادقةٌ بالأخ الآخر دون مُجاملات أو منافع؛ إنما النَّخوة والوفاء والتواضع والإخاء الصادق والكرم والانتماء للهُوية القومية واللسانية.

” كيف نشفى من حُبِّ تونس؟” كيف يا عرب؟!… روحُ أديبنا اليمني الكبير مبارك سالمين هامَتْ في ” حَلْقِ الوَاد” منذ سنين وهي أمانة حمَّلَنيها (يا لاقي الضائعة!)

للأدباء الشعراء روائع تُصَاغُ من مِداد أرواحهم تتوهَّج به حروفهم (الرقميّة) ويتبادلونها في مراسلاتهم على شاشات الأجهزة المُضاءة دومًا في ظلام واقعنا العربي المُدْلَهِمّ فُرقةً وشتاتاً، وكأن لسان حالهم يقول:

لو أضاءتْ نفوسُكم… لأتيتم سَمانا ”

وأنا هنا أتحدّث عن صداقةٍ نشأت في تونس الخضراء بين شاعرين عربيين قَـدِمَـا إلى تونس للتزوُّد من معارفها، هما الشاعر اليمني إبراهيم القحوي والشاعر الأردني علي الدهامشة لتجذبهما الحياة الأدبية الزاخرة في تونس رغم مشاغلهما العلمية الدراسية، وتتفجّر مواهبهما الأصيلة في دار السليمانية في قلب العاصمة التونسية وجمعية مراجعات ثقافية التي يترأسها الشاعر المخضرم والأديب الكبير المختار اللغماني،
و سماء تونس عامرةٌ تضيء بالأنجم ، وبتلاوين أنشطتها الثقافية يَتوهَّجُ سهيل اليماني والبيرق الهاشمي في انسجام ومودَّة فترصد الشاعرة الألمعية، والناقدة التونسية المخضرمة كوثر بلعابي هذا الوِدَّ والوئام والتفاعل بين الصديقين اليماني إبراهيم القحوي، والأردني علي الدهامشة وتكتب:
” هكذا نحن العرب حين تصفو أنفسنا ونتحسَّس عُـمْـقَ الإنسان فينا”
يلتقط الشاعر التونسي المخضرم مُعَمَّر المَاجِري هذا الإخاء بحبٍّ وينسج من بحر الكامل قصيدته مشفوعةً بالتّحايا الخالصة ويكتب للشاعرة التونسية كوثر :
” تفاعلاً مع نصِّكِ الأخير المتعلِّق بالشَّابَّيْن العربييْن بالجامعة التونسية أقول…..، ونظم قصيدته ” لمعت حروفي”
وَكَانتِ الأستاذة الشاعرة كوثر بلعابي قد رصدت بإعجاب هذه الصداقة بين الشاعرين التي نبتت في أرض الخضراء تونس واحتضنتهما المدرسة السليمانية بأنشطتها الثقافية وسقتهما أفاويق وئامها، واستقبلهما روَّادها وعلى رأسهم الشاعر الألمعي الكبير المختار اللغماني، والشاعرة الجميلة والأديبة الوديعة المبدعة نادية الأحولي.
فتكتب الشاعرة المخضرمة المبدعة، والناقدة الألمعية كوثر بلعابي موثِّقة بإعجابٍ قصة الشابَّيْن العربِييْن :

“ليس كلّ شيء قاتمًا في واقعنا العربي الذي يشهد الآن أحْلَكَ فترات التّردّي على جميع المستويات خاصة في ظلّ انحسار القيَم الإنسانيّة و الوطنيّة .. و مع ذلك هناك دومًا نقاط مضيئة تزرع التفاؤل و تجدِّد الإيمان بأنّ بلوغ الأفضل ممكن جدّاً و بأنّ داخل الإنسان العربي دومًا هناك بذرة خير و محبّة نستطيع أنْ نبنيَ عليها أحلامنا الكبرى.. هذه إحداها :
حكاية شابّين من الشّرق العربي جمعت بينهما مدرّجات الجامعة التونسية إذ قدِمَا إليها طلباً للعلم.. إبراهيم القحوي من اليمن و علي الدهامشة من الأردن.. وجدناهما بيننا في أكثر من مناسبة أدبيَّةٍ معاً لا يفترقان يمدَّان جسور المودّة فتقبَّلناهما بكل محبّة..
اليوم ناقش علي الدهامشة رسالة الدكتوراه بنجاح و بالطبع كان برفقته إبراهيم القحوي يشاركه مع آخرين من بلدان شقيقة فرحة النّجاح.. و قد توّجَتِ الحدَثَ السعيدَ قصيدتان مِنْ أبدع ما قرأت في الإخوانيات.. هكذا نحن العرب حين تصفو نفوسنا و نتحسَّس عُمق الإنسان فينا.. كم راقتني هذه الطريقة في التفاعل بين الصديقين و كم هي راقية هذه الرسالة الأدبية و دافعة نحو التفاؤل بشبابنا… تهانينا الحارّة للدكتور بالنجاح و الصداقة الخالصة.. لا شكّ أنّ هناك بين شبابنا أصدقاء كثيرين بهذا الرّقيّ..

كل الشكر للشاعر اليمني والأديب الكبير أخي إبراهيم القحوي على هذه الأبيات :

أُهـدِيكَ بعضَ خَـوَاطري وبَـيَاني
وأَصُوغُ مِنْ حَـرفِ الإخـاءِ تَـهَانِ

أُهـدِيكَ أنـتَ اليومَ بَـدرُ سَـمائِـنا
وهِـلالُ هـذا العـيدِ مِـنْ رمضـانِ

ألْـهَـبْتَ مَلْحَمَةَ النِّقاشِ وخُضْتَها
بـالـعَــزْمِ والإقــدَامِ فِـي رَوَقَــانِ

فَـظَـفِـرْتَ بـالآمَـالِ بَـعـدَ مَشَـقَّـةٍ
ووَصَلْـتْ بعدَ نِضَـالِكَ المُـتَـفَـانِي

فَـاهْـنَأْ بِعِيدَيْنِ انْتَظَرْتَ سَنَاهُـمَا
عِـيدِ النَّجَـاحِ وعـِيدِكَ الرَّمَضَاني

لكَ يابْـنَ عَـمَّانِ التّهاني أُرْهِفَـتْ
يُهْـدِيكَـهَـا مَـعْ قُبْلَـتَـيْـنِ يَـمَـانِـي

لتنقل الأبيات المُهداة من الشاعر الدهاشمة لأخيه الشاعر والأديب إبراهيم القحوي من اليمن ردّاً على أبياته الرائعة :

أُهدِيكَ مِنْ أرضِ الهوَاشِمِ زهـرةً
نَبَتَـتْ على طِيبِ المكارِمِ فـاغِيَهْ

أنتَ الأديـبُ مِنَ السّعيدِ تعَـهَّدَتْ
هـٰذي القـوافي رَيـُّهـا كالسّاقِـيَهْ

كيف الحياةُ وبَطْنُ حِمْيَرَ تَنْـزِفُ
قالت قوافي الشّعر تشكُو آسِيَهْ

رَدّتْ لـها عـمَّـانُ أُخـتـًا حـانِـيَـهْ
صنـعاءُ دِرعٌ لـلعـروبـةِ بَـاقِــيَـهْ

نـادتْ بِـها وتَجَـمَّلَـتْ أصـوَاتُـنا
نِعْمَ القصائـدُ بِـاليَـمَاني زاهِـيَهْ

ويأبى الشاعر والأديب التونسي الكبير معمّرالماجري إلا أنْ يُتوِّجَ هذا الحدثَ وهذه الصداقة بقصيدة قال فيها:

لَمَـعـَتْ حُـروفي واسْتَـبَدَّ بَـريقُـها
حينَ الـتقَـيْتُ بِـهَـاشِمي ويَـمَـانِـي

في أرضِ تونسَ في بِطَاحِ نَخِيلِها
فـي دار عِـلْــمٍ وافِـــرِ الأغْــصَـانِ

سَـرَتِ العـَواطـِفُ كالمياهِ غَـزِيـرةً
سَـقَـتِ الـقُـلـوبَ بـسـاحِـرٍ فــتَّـانِ

الـودُّ يَـهْــمِـي والـعُـرُوبَـةُ بَـيْـنَـنَـا
والعِلـمُ يَحْـكـي وحْــدةَ الأوطَـانِ

هـذا “عـلـيٌّ” دكــتـورُ فَـازَ بِـعِــزِّهِ
طُــوبَى لَـهُ، طُــوبَـى لَـنَـا سِــيَّـانِ

الشِّعـرُ يَـزهُــو والقَصـيدُ نَظَـمْـتُهُ
ولِـكَــي أُتِــمَّ رســائــلَ الإخْـــوانِ

والكَـوثَـرُ الجَــذْلانَ في أرجَــائِــهِ
لَـحْــنُ الصَّــباحِ وبَـسْـمَـةُ الـرَّيَّـانِ

وفي يوم الاحتفاء بميلاد الشاعرة كوثر بلعابي وبمناسبة صدور إنجازها الأدبي ( كوثر الصباح) وتكريمها، رأى الشاعر القحـوي أنه قد تخلَّف عن الوفاء بتهنئتها أثناء التكريم، فنظم قصيدةَ وفاءٍ عفَويّة من وحي التكريم، ليُهديَها لها بعد التكريم، ولسان حاله:

لا خَـيْـلَ عـندَكَ تُـهْـدِيـها ولا مَـالُ
فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لمْ تُسعِدِ الحالُ

فتحتفي بها الشاعرة كوثر بلعابي وتسجِّلها في صفحتها شكراً وامتناناً للشاعر القحوي،
فتقول :
أُثَـمِّـنُ الهدايا التي تلقَّيتُها بمناسبة عيد ميلادي و الاحتفاء بإصداري الثاني : كوثر الصباح.. مع نادي الأدب بجمعية ابن عرفة العريقة جاءتني من الشاعر اليمني الشّاب إبراهيم القحوي الذي شرّفني بحضوره و بهذه الهدية القصيدة . شكرا من القلب يا بُنيّ بقدْرِ بَـهَـاءِ كلماتك التي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ و بحجم سعادتي بها.
ثمَّ نشرتْ أبيات التهنئة التي تلقّتها منه، وهي:

أُهَـنِّــيكِ يَـانَجْــمَــةً تُـزهِـــرُ
أُهَـنِّــيكِ يَـادَوحَـــةً تُـثْــمِــرُ

أُهَـنِّــيـكِ ألْـفَـاً بِـهـٰذا الـبَـهَـا
يُـكَـوْثِــرُهُ بَـوْحُــكِ الأَذْفَـــرُ

أُهَنِّيكِ بِنْتَ الصّبَاحِ الجَمِيلِ
وَبِـنْـتَ الـنَّـدَى حَوْلَنا يُمْطِرُ

وَأُهْـدِيكِ فِي غِبْـطَـةٍأحْـرُفَاً
يُـطَـيّـبُـهَـا المِسْكُ وَالعَـنْـبَـرُ

وَفَــاءً أُبَــارِكُ هَــٰذا الـعَـطَـا
فَـهَــيَّا بِـإنْـجَــازِهَـا نَـفْـخَــرُ

بِأُمْسِيّةِ اليَومِ أنتِ القَوَافِي
يُـنَـغِّــمُـكِ الـكُـلُّ يَـاكَــوْثَــرُ

تلك هي تونس أرض الحُسْنِ والبَهاء، وأيقونة الجمال، ودُرّةُ المدائن، ومَهْوى أفئدة الشعراء، وقاموس قرائحهم، وأفياءُ هواجسهم قديماً وحديثا، تغنَّوا بها وتعلَّقوا بهواها، حتى بعد رحيلهم عنها، وهو ماجسَّدوه في أشعارهم، ومنهم الشاعر القحـوي الذي عَشِقَ كل تفاصيلها وجسَّدَ ذلك في كثير من قصائده، ومنها:

سَنَحْمِلُ إنْ رَحَلْـنَـا مِـنْ هَـوَاهَـا
بَـقَـايَـا ذِكْـرَيَـاتِ العِشْقِ ذِكْــرَى

وختم قصيدةً أخرى أنشدها في تونس بقوله:

وإنْ جَـدَّ بَـيْـنِـي سَـتَـبْـقَى هُـنَا
شُـجُــونِـي بِـأنْـدَائـهَـا تُـفْــعَــمُ

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!