في ثنايا القدس /بقلم محمد موسى العويسات

لصحيفة آفاق حرة :
_________________

ما أجمل الرحلة في ثنايا القدس الجميلة …
من البوّابة الشّماليّة قصدت مدينة الصّلاة، ومع الأصيل تسوّرت الجدار متجاوزاً كلّ الأحراس، قد نجحت المحاولة، ووقفت على رأس الطريق الممتدّ على متنٍ موصلٍ إلى أيّ الأبواب شئت، دخلت المدينة إذن وإن لم تبلغها بعد، خالجتني مشاعر الشّوق، شعرت بالصّدق يسري مع الأنفاس الغربيّة المتسلّلة من الغابات المهجورة، موحية بعذريّة خالدة، تسارع النّبض وتناغم مع الأنفاس الموجفة، وجرى في العروق متثاقلاً كأنّه يطلب المهل والهوينا، تحرّكت الحافلة متعجّلة وغير متعجّلة، لم تعد الطريق خطّ السّير السّريع، محطات عدّة تصطفّ على الجانبيين تتقابل حينًا وتتدابر أحيانًا، تفرعات وتفرّقات شتّى، شتات يربك الذّاكرة، وتمدّن يجرح الأمل المكنون، وتأبى الذّاكرة إلا أن تحتفظ بآخر صورة ارتسمت يوم الفراق ، وكانت الذاكرة أسرع استرجاعاً من تقدّم الحافلة، وعند المفترق الجميل أبت النفس أن تعترف بأنّه في اتجاهاته الثلاثة لا ينتهي بخروج، ولا يضيرها ما خُطّ على هذه الأرض، ذاكرة مثقلة بالجميل وغير الجميل، وتكاد تثقل هذا النّصّ، لا أريد أن أنظر من وراء الزّجاج، لا أريد أن تكون الذكريات مضمّخة بهذا الهواء المصطنع بمكيّفات لا مقعد لها في النفس المشرئبّة، امتدّت يدي إلى مقبض النافذة، وقعت الشّمس على يدي فأومض الخاتم الفضيّ فلاح فصّه في ناظري بقعة خضراء كأنّها واحة في صحراء القلب القاحلة، استجابت النافذة من أول نزعة، فشعرت أنّه بها قد انفتحت نوافذ ونوافذ، نافذة للنّسائم، نافذة لعبير الأرض المقدّسة، نافذة للشمس الباهتة، ونافذة أخرى، ما أجمل تلك النوافذ المطلّة على أزاهير المشاعر المتلوّنة، توقفت الحافلة عند الإشارة الضّوئيّة، كادت حمرتها تغلب الشّمس عن يمينها، بالشّيم قلت من هنا طريقنا، دعوت أن تطول الوقفة، أن تنام الحافلة على الرصيف المشجّر، لأقضي بعض أحلام اليقظة، بيوت كثيرة فارعة وفارهة، وكلّ الأبواب موصدة، هل عفت الديار من أهلها؟ لا أظنّ ذلك فالنّسائم المختلفة عن اليمين والشّمال محمّلة بالعطر عينه، الذي احتفظ به الصدر المتصدّع بأوجاع السنين العجاف، ما أسرع استحضار الأمس واليوم، وما أعجب الأقدار، إنّها تصنع منك رواية، لست بطلاً إلا في أحلامك الطفوليّة، تحرّكت الحافلة، تاركة خلفها نفسًا تنتظر لدى المحطّة المتقوّسة مغيب الشمس، طمعاً في أن يكون الليل أمثل ……ما أجمل الرحلة في المدينة المقدّسة ….

__________
القدس / فلسطين

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!