“هبِّ الهَوا؛ وِتْجَرِّحِ المَوّال”/بقلم :  إبراهيم يوسف – لبنان

  بلا كمَّامات..؟ ليلة

عذبة من الأحلام

 تجوّلتُ فيها مُحَلِّقا

 بلا خشية

بين الأرض والسماء

 https://www.youtube.com/watch?v=O7xAEsDWxz0

 تَباركَ الصبرُ والصمودُ والقدرة على التّحمل

وقسوة بالغة بفعلالعزلة في المنازل

 وأعصاب تهالكتْوتحوّلتْ إلى أشواك

من الحبس فيسجن بلا نوافذ

يرزح تحتغضب السماء… وكَيْدِ الوباء

و لقاحات غامضة..عَصِيَّة على العارفين

وإدراك الباحثين العلماء

  علاوة عن إيمانمتأرجح..بينالشك

واليقينوبين الخوف والضجر؛والرجاء

 وأذان يتواصلفي”بربور، ورأس النبع”

 في أربعة مساجدتختلف فيها مواعيد

النداء…حي على الصلاة… حي الفلاح

 وإذ نُوْدِيَ على الناس لِيَذَروا البيع

يوم الجمعة… ويهبوا

 إلى المساجدوالباحات

لصلاة المغفرة والاستسقاء

 والخشوع بين يدي الله

 بفعل الجفاف والوباء والفساد؟

هبّ المؤمنون لتلبية النداء

 لكنطفلا وحيدا..؟ممن أتوا

يقيمون صلاة الاستسقاء؟حمل

 مظلة تَقِيهِ “محنة” المطر!

 وأماالسماء؟

فلم تمطر يوما بلا سَحاب

 وجرس كنيسة..تردّد صداه في الجوار

يودِّع راحلا غيّبه الموت

دون أن يتوقف أو ينحسر… الوباء!

 بفعل صلوات ليست مشفوعة بالإيمان

 من يدري أن لا تنشأ بعد كوڤيد

مفاهيم “حضارة”مختلفة لم نعرفها

ولم تكن أبدا في الحسبان

 حضارة التّخلي المفرط…. أو

التَّمسك بشدة،على الجانبين

 “وإن كانشيئا في الكونلا يضيع

وليس منشيء يُخْلق، وكل شيء يتحوّل؟”

فثمة شعور مفزع… ومريب؟

أن شيئا ما..؟ لن يعود كما كان

 فلننتظر؛ لو عشنا..؟ لنسمع ما يقوله

 العرّافون في مطلع المقبل منالأعوام

 لكنني في كل الأحواللستُ واثقا

أن زلزالا  مدمرا لن يضرب الكوكب؟

ليعاد بناؤه من جديدبشكل أفضل

  أو وباءً “مساعدا” آخر يطحن البشر

ينقله على شبكته عنكبوت هجين

أفادنا قليلا.. وألْحَقَ بنا أسوأالضرر

يشبه شهوة القطّ ومتعته العالية

وهو يستمرىءلحس دمه عن المبرد

 وتبقى”أحلام الزمرّد”

والتفاؤل القسريالمؤقت؟!

 ورِقّة المرأة وطهارتها

العوامل المساعدة.. تفتح
بابا واسعاللفَرَج من همٍّ مقيم

 “يتجلى” في نص جديد

أحضن فيه وأُقَبِّلُ من أرغب ممن

أحببتهم بلا كمامات؛ أو حذر

 “يا همومَ الحبّ يا قُبَلُ ** في بحارِ الشّوقِ تغتسلُ

كلّما قلنا صفا زمنٌ ***** رَجِعَتْ كالرِّيح تشتعلُ

 هاتِ لي عُمري فأجعلهُ ***طائراً في الأرضِ ينتقلُ

أنا يومَ البُعْدِ أغنيةٌ  *****تأخذُ الدُّنيا وتَرتَحِلُ”

 الأخوان رحباني

 لا أنصحكُ يا صديقي — أو– صديقتي؟

 بقراءة النص وإغفال الوصلات المرفقة

  دقّقتُ الحركات، وقرأتُ قصيدتي للمرة الأخيرة بعين الرضا، ورحتُ أتأمل صورة المرأة في بداية النص، تلقي برأسها على صدر الرجلوتوحي بالمودة والأمان. وقرأتعن مناعة القطيع،فلم يفدني.. بل استفزني ما قرأت.

 ثم رددتُعلى رسالةتصلني من اليمن، مساء الخميس من كل أسبوع. ولمّا كان الحبّ غاية الخلق والأمل؟سأُحِبُّ بعقلي ووجدانيمن يوقفمعصية الفساد في لبنان، ويخفف عن المصابين الوباء. ومن يرفع الظلم عن اليمن؟ يغفر لهويتولاه الباري برحمته.كذلك رحت أستعرضأحداث يومي، بعينِالتفاؤلٍ ورجاءٍ لم ينقطع بعد.

 هكذا حملنيانتشار الوباء،وسرعة العدوىمن الفم إلىمجنون ليلى. مسرحية شعريةيقولفيها شوقي على لسان قيس بن الملوّح: مُنَى النَّفْسِ لَيْلَى قَرِّبي فَاكِ من فَمِي * كَمَا لَفَّ مِنْقَارِيْهِمَا غَرِدَانِ – نَذُقْ قُبْلَةً لا يُعْرَفُ البُؤْسُ بَعْدَها * وَلا السُّقْمُ رُوْحَانَا وَلا الجَسَدَانِ. فتّشتُ عنالأبياتوأنا في السرير، وفاجأتني أنها مغنّاة على لسان طلال المدّاحقيثارة الشرق طيّب الله مثواه. وخِلتُه للحقّ!معملائكة الفردوسيحيي حفلة طرب هذا المساء؟

 تذكرتُ بعض مضمونالمسرحية، والحب الذي تردّد صداه عبر الزمن ولا أحسبهيومايختفي؟ ودهمني فيض من الوداعة والحنين،ليردني إلى الماضي أيام قرأت فيها المسرحية،وأول فتاة استجابتْ لعاطفتي في مراهقتي.

كاد الليل يأفل وكنت من شدة نشوتيأغني؛على هذه الحال غزانيالنعاس..وبعدها لا أعرف حقا متى غفوت؟

  في الأحلام تتسارع الذكريات وتتشابك وتتعقد وقد تطول؟ وربما تحلو أوتتنافر بفوضى وتتآلف في غير انسجام.لكن لا حدود ياصاحبي للأحلام. كانتليلتيحبلى بسعادة عشتها في السماء لا على الأرض. سماء تخيِّم على الخلق وتمنح رحمتها وبركتها للمؤمنين والكافرين علىالسواء. لهذا أرجوك يا صاحبي؟ والرجاء أعلى مرتبة من التمني،أن لا تَسَلْني ولا تحرجني فيما لا ينفعك، ولا ينفعني في التدقيق معي متى وأين وكيف؟ وتَحْمِلني أن أشرح ما قد يخطر لك في بال،فلا أجد نفسي ملزما بالتفسير والإيضاح،عمن يكونهؤلاء ممن رأيتهم في المنام؟

  هكذا كنت أنتقلكرمشة الجفن أطوي المسافاتوأختصرالزمن. بدأتُ رحلتي في اللعب بالكرة يتقاذفها تلامذة الصف الثالث ابتدائي على المرجة في “حُشْبَى”، حينما تحدّى حسين الحسيني قيصر يونس الأستاذ الصارم، وقذف الكرة في وجههوأنهى رحلته.فترك زوّادتهوأفل عائداإلى الضيعةبمفرده،ليهجر المدرسة أياما بعد الواقعة قبل أن يعود إلى صفِّه من جديد.والمعلمالخصم تأمله طويلا وهو يميل بوجههويدخل الصف،فيلقي حطبة المدفأة في الزاوية المخصصةدون أن يلتفت إليه. مع ذلك لم يثأر منه أو ينل من يديه بقضيبالرمّان.

 وإذا بي في فوضى الحلموفارق الزمان؟ ومكان مختلف في الجنوب، ليس بعيدا من حدودنا مع فلسطين، أنحرف بعد انتهاء المدرسة عصرا وشقيقي إلى جانبي، نحمل حقائبنا على ظهورنا ونمشي الهوينى مسافة بعيدة، منهِكةللقدمينإلى منزل”السكاكيني” مكان إقامتنا، عبر درب يتفرع من طريق رئيسة تصل من النبطية إلى زبدين. فطريقُ رِجْلٍ ترابية إلى حاروف، بعد منزلناالمتواضع ذي القرميد الأحمر، الذي حسبته في طفولتي قصرا عظيما.

 لو سمعتُ يومَها بڤرساي؟ لشبّهتُ البيت به. ما من حصاة أو حجر صادفته في الطريق، إلا وقذته بحذائي البالي.

ولما لم يكن في قصر ڤرساي كلّه غرفة طعام واحدة؟ كنا نجلس في بهو يتصل بغرفتيّ نوم ومطبخ ودار للضيوف.

 كان الطعام جاهزا لدى وصولنا،وزوجة أخي الأكبر اتخذت مكانا لها، وراحتتتأملني بسعادة وابتسامة مكتومة،فهمتُ معناها على الفور؟ فقد ضبطتني بالجرم المشهودألهو مع نهادمساء البارحة. وشاهدتْ بعينها ما فعلناه.

 لكنها تبسَّمَت لي بسعادة ملحوظة. لها الرحمة من عمق قلبي ماتتولم تشِ بسري. ثم وجدتني انتقلمع شقيقي الأصغر، ونحن في الكوكسينلقبلصيداصعودا إلى دير المخلص. حيث اصطحبنا ابني من الصف الداخلي، إبان الحرب الأهليةودخول السوريين إلى بيروت؛ وعدنا إلى صيدافتناولنا معه وجبة الغداء في استراحةٍ على البحر.

 وحينما عدنا به؟ عدَّدَ لِعَمِّهِ أرقام خمس عشرة لوحة من المركبات التي صادفناها في الطريق، وشقيقي تعجّب منهيحفظ هذه الأرقام، وأبدى دهشته أمامنا، مماسينتفع به الطفلمن حشو رأسهبالأرقام!وعند المدخل إلى الباحةقطفت زوجة أخي حفنتين من الزيتون. ثم تلقى مصروف الأسبوعوهو يؤشر لنا بيدهويغادر إلى الداخل.

 كنت تلميذا وقد نضبت نقودي؟ فقطعت المسافة من كرك نوح، على أطراف مدينة زحلة إلى الضيعة مشيا على الأقدام.والطريق طويلة وشاقة وخالية من العمران؛ فلم يتجاوزني خلال رحلتي إلا عدد نادر من المركبات. وفي أول طريق الدرجة كانت  نورتنتظرني وتحمل طفلها الذي لم أره بعد. هكذا حضنت حفيدي وحملتُه طول الطريق.

 ثم توقفنا أول الضيعة وشربنا من عين حمدة وغسلنا وجوهنا. وفي اليوم التالي تأهبنا لزيارة السيدة زينب، وفاء لنذرٍخصصته من أجلنا زوجة أخي،رفيق دربي عبر الطريق الترابية عند رجوعنا من المدرسة إلىزبدين.

 ومن القبة في طرابلس توجهنا إلى زغرتا ومَجدليّا، حيث التقينا جميل بو ضاهر في منزله وأم جميل رحبت بقدومنا، وأصرّت على البقاء معهم للغداء في الحديقة تحت زيتونة معمرة في فناء مكشوف على السماء.

 أمّ جميل التي اشتاقتْ للأولاد، راحت تناديهمليتوقفوا عن اللعب ويغسلوا أيديهم. بعد أن حضّرت لنا المشاوي وكبابا محشوة بالجوز. ثم استعانت بنظارتها وإبرتِهاوبدأت تنقب عن الشّوك في أصابِعهم للجلوس إلى الطعام.

 راودَني الحنين في نومي إلى البكاءِ بين يدي أم جميل، تفيء بمحبتها على الجميع، وأنا أسمع حديثها المترفع يُقَصِّرُ عنه أكرم الفرسان. أم جميل الطوباوية الطاهرة سهرتْ على أسرتِها وبذلتْ نفسهاوضنىقلبها، فلم يُغْرِهَا مال ولم تتعثر بكبوة لم تتجاوزها في الطريق. نذرتْ حالهالمحبَّةِ النّاس. فلِمَ لا تكون أم جميل “رَفْقَا” رقم اثنين!؟

 وفي حديقة اللكسونبورغ، قريبا من الپانتيون وجامعة السوربون. لا أدري ما الذي حمل صديقي”فؤاد عطا الله” الماروني المفترض أنهمتنور؟ليبعد عنه كلبا جميلا أبيض دنا منه برفسة من قدميه، وصاحبة الكلب طارت من عقلها وقالت لنا بغيظ واحتقار: أنتم متوحشون؟ وغادرت بعد أن أطلقت في وجهينا قاموسا من السباب.

 هدى الطفلة الساحرة كفراشة وأحلى.حملتُها في نومي واشتريت لها إسوارةمن الذهب الخالص. أحْبَبْتُ وجهها الملائكيوعينيها المكحولتين،و(لَيْسَ) المسيح فيها.. وخبزه.هدى التي أحبَّتني أمُّها.. فماتت ولم تبحبسري.

 وسمردخلتْ علينا ببسمتها المعبِّرة الرائعة،تحمل لناأوركيديه كقلبها الصافي وعينيها البنفسجيتين. سمر طفلة متفوقةحملتها طويلا ولاطفت شعرها، وتأملت قدرة الله في عمق عينيها. الشوك وفرح الذكريات الحزينة ما انفكت تزورنا في المنام.السر تعرفه الطفلة المتفوقة والأم الرائعة التيلم تنسنا يوما.أوليتُ الأوركيديه عناية خاصة وعندما خسرتْ أزهارها؟واصلتُ العناية بهافبرعمتْ وأزهرتْ على التواليلأربعة مواسم وثلاث سنوات.

 رأيت مروان في طفولته يقود سيارة أبيه في غفلة منه، ويلقي بلائمة الصدم على صاحب سيارة الأجرة.. والحاجة جميلة سمعتها تنادي نعجتها، والنعجة فهمتْ وأقبلتْ إليها لتغسل صوفها، وتطعمها بقايا من قشور بطيخ وخضار.

  ليلى سكرية أعارتني قبعة مكسيكية في رحلة إلى جزيرة الأرانب. كنا ثلالث عائلاتوقطعنا المسافة بين الميناء والجزيرة، على قارب قديم خفت أن يغرق بنا “وأوديسيوس” لا يحسن العوم. وفي الجزيرة ملأتسلتي سمكا.

 رأيت في الحارة سيدة تشد طفلها وهو يؤخر سيرها، يتأمل بفضول ملحوظ معاقا مبتور الساق يعرج في الطريق، والرجل تبسم للطفل وألقى عليه تحية بإشارة من يده. لكن الأمانتحت بطفلها جانبا؛ وقد تجاوزا الرجل وهي تقول له: ما فعلته ليس عيبا فحسب؟ بل هو عارٌ عليّ وعليك يا حبيبي.. أرجو أن تدركيا صغيري معنى العيب والعار؟

 رأيت فيضا من الناس في نومي، ممن أحببتهم ولهم في قلبي أغلى ذكريات. ما من طفلوطفلة رأيتها في حلمي، إلا حملتها وقبّلتها في فمها، وما منامرأة أو رجل قريب أو صديق صادفني؟ إلاّ حضنته بلا خوف فقبلتُه وقبَّلني؛ دون أن يغيب عن إدراكي أنني في حلموأنه زمن انتشار الوباء!وما من مكان عرفته في طفولتي ومراهقتي وشبابي؟ إلاعشت فيه أحلى اللحظات. لعل حمّىالمشاعر ووطأةالوباء؟ تحملنا إلى فردوس من الأحلام، فتشيع في النفس المودة والرجاء.هكذا قضيت ليلتي أتنفس ملء رِئتي، وأتجول بلا كمامة محلقا بين أرض وسماء.

  هدى، وسمر، ونور: أسامينا؟ شو تعبوا أهالينا تلاقوها؟ الأسامي كلام .. شو خصّ الكلام .. عينينا هنِّي أسامينا.

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!