واقع العلمانية في العالم العربي ج2/ بقلم سعادة ابو عراق

لا أدري في أي عام استمعت لمحاضرة ألقاها الدكتور فؤاد زكريا في مؤسسة شومان، حيث قال إننا نعيش الحالة التي كانت تعيشها أوروبا في القرون الوسطى، إذ كان هناك عجز تام عن إيراد أية فكرة جديد، متبعين أقوال الأقدمين، وأورد حكاية لتكون مقاربة ومدخلا لرؤيته للواقع الفكري في العالم العربي، فقال:
(كان هناك مجمع للعلماء الأوروبيون يجتمعون داخل خيمة كبيرة ومعهم كتبهم ومراجعهم، وخلال البحث كان عليهم أن يعرفوا عدد أسنان الحصان، فطفق كل منهم يبحث في مراجعه عن عدد أسنان الحصان، أو إن كان أرسطو قد ذكر ذلك، ولم يفطن واحد منهم أن له حصانا مربوطا في خارج الخيمة، يمكنه أن يخرج ويعد أسنانه)
وأراد أن يقول من هذه الحكاية التي تعبر عن الجمود الفكري أنها تنطبق على عالمنا العربي، حيث أن كسلنا الفكري وعدم قدرتنا على الذهاب إلى غابة الأفكار لنلتقط الطازج والجديد يجعلننا نخلد إلى تركة الماضي ولا نفكر إن ما زالت تلك الأفكار صالحة للاستهلاك أم فاسدة مضرة.
واستشهد على ذلك تحري هلال رمضان أو شوال، فَعِلمُ الفلك الحديث بحساباته الدقيقة يستطيع أن يعرف في أي وقت, وفوق أي خط طولي ينتقل القمر من المحاق إلى الهلال، ولكننا جريا على الموروث نجد في رؤية مجموعة من الشيوخ العجائز أكثر صدقا من الحسابات الفلكية، وهذه الممارسة التي تتمسك بالقديم دون تغيير أشبه بأصحابنا في القرون الوسطى مع عدد أسنان الحصان، ما هو إلا دليل على أننا لم نزل في القرون الوسطى، وأن المؤسسات الدينية لم تزل مصرة على عدم الأخذ بالعلم الحديث, وإيقاف التطور والتغير والوقوف عند مستوى تحصيلهم الديني، لا لسبب إلا أنهم لا يريدون مغامرات اللحاق بركب الحضارة الحديثة، عجزا منهم أو حرصا على موقعهم المسيطر وحظوتهم عند السلطات.
وهناك ظاهرة سخيفة في مظهرها عظيمة في دلالتها وهي برامج إذاعية وتلفزيونية مخصصة للإجابات البسيطة من الشيوخ ، وكأن المجتمع ما زال أميا غير قادر على القراءة، وغير قادر على أن يدرك بفطنته ما يواجهه من مشاكل ويستعمل عقله ويقرأ في أي كتاب مختص بدلا من هذه البرامج المتخلفة.
إن الإسلاميين يقفون بصراحة وعدائية لا تخفى ضد العلمانية لأسباب لا يعرفون مصدرها، فالأزهريون الذين وجدوا أن انهيار الدولة العثمانية كان بسبب مبادئ القومية والعلمانية التي جلبها لهم كمال أتاتورك، لذلك أصبحوا معادين للقومية والعلمانية, وكل ما هو غربي، وذلك بسبب غياب نقطة واحدة ذكرناها وهي أن العلمانية ليست تقنية علمية أو منتج صناعي يمكن أن يؤخذ جاهزا، إنما هو مفهوم, كالأداة التي يمكن أن تستعمل بشكل خاطئ أو مفيد، أو كقطعة من قماش, يمكن لأي مجتمع أن يفصلها حسب مقاسه، فالعلمانيات التي في العالم لا تشبه بعضها بعضا، بل تأخذ هوية وثقافة المجتمع الذي تبنّاها ، فستالين مثلا طبق علمانيته في سياق الفكر الماركسي, وهي غير العلمانية التي طبقها ماو في ضوء الفكر الشيوعي، ذلك أن الصين هي غير روسيا، وأن العلمانية التي طبقها هتلر وموسليني متوافقة مع الفكر النازي والفكر الفاشستي الذي يعلي من العنصر الجرماني والروماني, والعلمانية التي طبقها كمال أتاتورك هي نموذج آخر لفكر أتاتورك وحزبه, للحاق بالركب الأوروبي والانسلاخ عن الماضي الإسلامي، إذن فالعلمانية مفهوم قابل أن يكون إسلاميا أيضا كما يريده الإسلاميون بكافة أحزابهم وتوجهاتهم، كما أوجدوا بنوكا سلامية ومدارس وقنبلة نووية اسلامية ومستشفيات إسلامية، يمكن أن تكون علمانية إسلامية.
وإذا ما رجعنا إلى موقف الحكومات العربية من العلمانية نجد أنها لا تشجع على إدخال العلمانية، لأنها ترى في غياب العلمانية، غيابا للوعي الشعبي، وبما أن الدولة مرتاحة على شيوع الفكر الديني، الذي يطلب من الله ما يجب أن يطلبه من الحكومة، لذلك فإنها قد أرخت العنان لهذا الفكر أن يتغلغل عميقا في الطبقات الاجتماعية وخاصة الدنيا منها خلال الإجراءات التالية.
11- الهبوط في التعليم المدرسي والجامعي إلى مستوى إزالة الأمية.
22- عدم الاكتراث في البحوث العلمية والفكرية وتركها للجهود الفردية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تشجع الرجوع للتراث والإبقاء على العادات والتقاليد، كتمسك بالوطنية.
3- عدم التشجيع على القراءة ودعم الكتّاب والمبدعين والتأليف والترجمة ، بل تعمل على محاصرة المفكرين واعتقالهم كالمجرمين أو المخربين ومنع دخول الكتب وكأنها مخدرات، وفي المقابل التسهيل لرجال الدعوة الأميين لنشر أفكار مضللة وغير محققة وتسيء للدين، من خلال أشرطة ومحاضرات فيها كثير من الخرافة .
44- النص في الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام ما عدا لبنان، وهو نص أدبي وليس علميا، فالدولة شخصية معنوية، ليس لها دين, ذلك أن الدين للأفراد، فمثل هذا النص الذي لا معنى له، ليس إلا مداهنة للتيارات الإسلامية، ذلك أن قول (الدولة إسلامية) لا يجعل المواطنين مسلمين ولا يزيد من إسلامهم.
5- تعليم الدين في المدارس والجامعات والكليات، وهذا التعليم رغم كفايته لم يكفّ هجمات رجال الدعوة والسلفيين وغيرهم عن إعادة تعليمنا ديننا، كما لم يستطع أن يحدّ من التطرف الديني.
66- هناك دائما وزارة أوقاف والشؤون الدينية ومجالس إفتاء، وهو تأكيد على أن الدولة إسلامية، رغم أن المهام التي تقوم به هذه الوزارة من زواج وطلاق وإرث يمكن أن تقوم به وزارة الداخلية.
7- البرامج الدينية المتعددة في الإذاعة والتلفزيون والصحافة والاحتفالات الدينية في المناسبات.
8- جميع هذه الظواهر هي ما يؤكد أن الدول العربية هي غير علمانية، ولكن لو نظرنا إلى بعض المفاهيم السائدة في معظم الدول العربية مثل الوطن والأمة والقومية والدستور والحرية والمواطنة والديمقراطية والعدالة وحقوق الفرد وخاصة للمرأة والطفل والاشتراكية والوحدة والنقابات والانتخابات والمظاهرات وغيرها تدل أن العلمانية متغلغلة في المجتمع رغما عن معاداة الإسلاميين، أو أنهم لا يعلمون أنها من مخرجات العلمانية.
9- ورغم وجود العلمانية الخفي أو التي لم يعترف بها أحد, فإن العلمانيين العرب ساهموا في حركة التحرر والاستقلال العربي ومشروع النهضة العربية, رغم المعيقات التي وضعها الإسلاميون، ويعود لهم الفضل في كل المكتسبات الحضارية التي تحققت.
100- إن جميع الدول العربية فيها مقادير متفاوتة من العلمانية ولعل أكثر دولتين ينحوان نحو العلمانية هما لبنان وتونس ، وأكثر البلدان ابتعادا عنها هما السعودية واليمن.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!