يا قمحنا/ بقلم: جروان المعاني

كي نستطيع الحصاد علينا أن نزرع أولاً، وكي نزرع القمح والشعير نحتاج ماء السماء فقط، ولكننا ما عدنا نثق بصدقنا مع السماء فقل المطر وشحت السماء بخيرها، واستبدلنا مناجلنا بمسدسات وبنادق نطلق بها النار على أنفسنا وعلى السماء، وتشير الأسطورة أن (باخوس إله القمح عاش أكثر بكثير من ديونيزوس إله الكرمة والخمر ألذي أصابه الجنون) فالسماء دوما تُعين الخير وزارع القمح دوما أقرب لله .
ليتم الاعتماد على الذات، يجب علينا أن نعيد لحزيران هيبته حيث انه (شهر البسط والكيف، أولو ربيع وآخره صيف) وعلى المنجل والقالوش أن يتحركا بيد الفلاح ثم نقل المحصول إلى البيادر والجرون ليتم الدرس وإخراج صاع إبراهيم حيث زكاة القمح والحبوب تغطي حاجة الفقير ومن لا ارض له ليحصدها، هكذا يكون الاعتماد على الذات.
تنقُل الأخبار أن واردات الأردن من القمح عام 2016م بلغت (800) ألف طن وهو رقم قابل للزيادة كلما تم ضبط باخرة تحمل قمحاً فاسداً، أو شبت حرب وفتنة في بلاد العرب، عدا عن الحاجة لاستيراد عددٍ كبير من المواد الغذائية الأخرى، فسياساتنا الزراعية منذ عشرات السنين تميزت بإهمال متعمد للفِلاحة حتى هجر الفلاح أرضه واستبدل زراعة القمح والحبوب بزراعة الخوخ والدراق .!
كنت في صغري أرى حقول القمح والشعير والعدس على مد البصر، وكنت أرى القمح أكواماً على البيادر، وكان المعلم وأبي دوماً يربطون النعمة بقطعة الخبز الملقاة على الأرض، فعلمونا أن نلتقطها ونقبلُها ثم نرفعها إلى الجبين ونداريها في مكان لا يدوس عليها المارة من الإنسان والحيوان، حين كنتُ صغيرا وحين كبُرت بقي الخبز عِماد حياتي ثم أدركت أن الاستعمار دخل لبلادنا من خلال سيطرته على رغيف الخبز، وربما لو تكلمت لأبنائي بهذا الكلام لنعتوني بالجنون أو على الاقل لقالوا أبانا حالم .!
في الأردن ارتكبنا خطيئة بناء الجامعات التي تحتل ملايين الدونمات في أخصب المناطق الزراعية، فلننظر لجامعة مؤتة في الجنوب مرورا بالجامعات الخاصة وصولا لجامعة العلوم والتكنولوجيا في الرمثا، ثم زدنا الطينة بله بأن وضعنا محطات التنقية أيضا في المناطق الخصبة، بدلاً من المنحدرات والوديان، فمن خطط لكل هذا أبداً لم يريد لنا الخير .!
هذا فساد من نوع متجذر رسم له الأجنبي ونفذته أيديٍ لم تراعي فينا بساطتنا وحبنا للأرض، وقد صدق الله العظيم حين قال(كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون( .
نعم إذا أردتم أن تعتمدوا على الذات، لا تقتربوا من قمحنا لا ترفعوا سعر الخبز، واتركوا لنا (مجدرة البرغل والششبرك) وتمتعوا انتم بالكافيار والسيجار الكوبي، اتركوا لنا المنجل والجرون وتمتعوا انتم بقصوركم وسياراتكم الفارهة، انهبوا ما شئتم فقط لا تقتربوا من كرامتنا وإن كان فيكم رجل مخلص واحد فساعدوا الفلاح على زراعة ما بقي من ارض بالقمح، اتركونا نغني خلف ذلك الرمثاوي يا قمحنا يا زرعنا فنحن ندرك أن الأمان يبدأ برغيف الخبز والانتماء للأرض فيصبح الولاء حالة مشتهاة، نحن الأردنيون أحلامنا بسيطة، خابية مليانة بالقمح وأخرى بالماء فاتقوا الله فينا.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!