يا وزارة التربية  ما مشكلة العلامات الكاملة / بقلم : سعادة أبو عراق

بداية أبارك لكل الطلبة الناجحين في الثانوية العامة ، وأبارك أيضا لآبائهم وأمهاتهم وعائلاتهم, متمنيا لكل ابنائنا أن يكونوا اللبنة الصلبة التي يبنى عليها المستقبل، وان يكون نجاحهم ثمرة جهود بذلوها للمسير نحو أهدافهم العليا.
ظهرت نتائج الثانوية العامة كما كل عام، وأعلنها وزير التربية التعليم بما يشمل كل المتقدمين للثانوية، بجميع فروعها ، وظهر ان الأوائل ان الأول من العشرة الأوائل حصل على 100%100 والتسعة الآخرون 99,9%100
لم تدهشتني هذه العلامات الخرافية التي حصلوا عليها، فنحن متعودون على نتائج الانتخابات السياسية انها 99,9%، ومتعودون ان نقول ان الحكومة (مستهبليننا )
وهي أيضا نتائج لا يمكن قبولها بأي مقياس تربوي، وكان على قسم الامتحانات في وزارة التربية مراجعة هذه النتائج، إذ لا يمكن قبولها إلا كعيدية للناس بدلا من الرواتب النقدية.
وإن عملي كتربوي سابق، مارسته ثلاثين سنة في وزارة التربية الأردنية، خلق في داخلي كثيرا من التساؤلات التي أقلقتني وأدخلت الريب في نفسي والخوف على مستقبل التعليم في الأردن، وأن هناك خللا ما قد افرز مثل هذه النتيجة، إذ إنها المبالغة التي تغطي دائما على فشل أو نقص أو أي مشكلة
إنها مشكلة عربية، لا تخص دولة واحدة، ففي سنة سابقة , حدث فضيحة هزت الأردنيين, إذ كانت النتائج غير مسيطر عليها، بالإضافة إلى كسر هيبة الدولة في دخول الناس إلى قاعات الامتحانات، وأيضا في توزيع أوراق الأسئلة العلني لأسئلة اختبارات المرحلة المتوسطة.
إذن نحن أمام ظاهرة عربية مقلقة، ذلك أن الناتج التعليمي في العالم العربي متدنٍ أكثر من الطبيعي والعلامات المتحصلة أكثر من الطبيعي، فهل هذه المفارقة المضحكة تصلح بحثا تربويا.
وأظن بأن النقاط التالية تصلح مدخلا للبحث
1- انا لا أقلل من قدرات وكفاءات الطلاب، فلا بد ان يكون من الطلبة من يملكون قدرات عقلية عظيمة ، بنفس النسبة المئوية التي لسكان ارقى الدول وأكثرها تقدما، ولكن النتايج المهنية والحضارية لهؤلاء العباقرة بائسة بالنسبة لمنتج البلاد المتقدمة.
2- تصميم الأسئلة: هذا الخلل يمكن أن نجده في تصميم الأسئلة التي يجب أن تقيس المستويات الحقيقية في الحفظ والفهم والاستنتاج، فهناك أسئلة يفترض أن يجيب عليها كل الطلبة, فليس من الصواب أن يحصل طالب على الصفر، وهناك أسئلة يجيب عليها معظم الطلبة، وهي تعتمد على الحفظ، وهناك أسئلة يجيب عليها بعض الطلبة، هي القائمة على الفهم, وهناك أسئلة استنتاجية قائمة على مدى استيعاب ما تم حفظه في الذاكرة ليستنتج منها فكرة جديدة، وغير موجودة في المنهاج، يجيب عليها الموهوبون والأذكياء وليس الحافظون في ذاكرتهم فقط، ولكن كل أسئلة الامتحانات التي نلمسها قائمة على مقدار الحفظ وليس الفهم والاستنتاج.
3- يمكن لهذا الخلل أيضا أن يكون نابعا من الغش الذي يمارسه الطلبة، وهي مشكلة قِيَمِيَّةٍ وأخلاقية وتربوية ، ناتجة عن القيم الفردية التي تتملكنا، فنحن نريد النجاح لأجل النجاح، وهذه القيمة تثير فينا التعامل العاطفي وليس العقلي، فنسامحهم على تجاوزاتهم، مما يجعل الأهل والمراقبين يتهاونوا مع هذه التجاوزات في الغش، وهم لا يعلمون أنهم يخرجون ماءً آسناً ليشربه المجتمع مستقبلا، ولا ندري أي الأمراض سوف تصيبنا.
4- ومع أننا ننكر هذه الظاهرة ونمارسها معا، فيجب على وزارة التربية تشديد المراقبة على كل وسائل الغش وإيقاع العقاب المغلظ، والتعامل مع الاعتداءات المجتمعية على القاعات، والذين يعملون على تسريب الأسئلة وانتشارها، هذا إذا لم نستطع أن نغير أسلوب الامتحانات الورقي إلى الإلكتروني، كأن ترسل الوزارة الأسئلة بواسطة الشبكة الإلكترونية إلى رئس قاعة الامتحان مباشرة من مكتب الوزير قبل بدء الامتحان بخمس دقائق، وبأربع صيغ مختلفة تعطى للطلاب صيغة لا يعلمها جاره ولا يعلم أيضا صيغة جاره، وهنا ينتفى الغش والتغشيش
اما لو كانت لدينا أجهزة كمبوتر كافية فستكون الأمور اكثر سرعة ودقة ، إذ ترسل الأسئلة الكترونيا الساعة التامنة، حيث يبدأ الامتحان، وينتقي الطالب الصيغة،او تحدد له من قبل رئيس القاعة، ويقوم بالإجابة على شاشة الكمبيوتر، والنتيجة تنقل مباشرة إلى قسم الامتحانات.
– يمكن أن يكون السبب أيضا في عدم الدقة في التصحيح ،وممارسة التلاعب والعبث وعدم وجود قواعد تضبط التصحيح وتنظمه بدقة.
6- يمكن أن يكون الخلل ناتجا عن رغبة الوزارة في رفع نسبة النجاح، كأن ترفع نسب معينة في علامات الطلبة، لتصبح نسبة النجاح مثلا 60% بدلا من 45 وهنا قد تظهر العلامات الفلكية. ويمكن ان يريد الكادر التعليمي في الوزارة ان يرى في هذه العلامات الفلكية نجاحا لهم امام تذمر الناس من رداءة التعليم.
7 – بالطبع فإني لا ابرئ مسئولية كوادر وزارة التربية والتعليم من الأذنة إلى مسئولي الاقسام ومديري التربية في المحافظات وكبار الموظفين في الوزارة، الذين يعملون عملا روتينيا كما تعمل دوائر المحاسبة وامناء المستودعات، انكم تسألون أي مواطن عن التعليم في الأردن فإنه (يجمط) ريقه قبل ان يتردد ويقول (مليح…) ولعل اكبر دليل على هزال التعليم هو الانتشار الكبير للمدارس الخاصة التي تتقاضى على طالب ابتدائي اكثر مما تتقاضاه الجامعة، هذا ليس لأن مدرسي المدارس الخاصة متميزين بل لعدم ثقة الناس بالمدارس الحكومية.
وإلى كل الذين يهمهم الأمر، أن يعلموا أن الخطأ في نظامنا الاقتصادي يمكن تصحيحه وفي النظام السياسي يمكن أيضا، وفي كل أنظمة الصحة و الزراعة أو التنمية أو غير ذلك، أما الخطأ في نظامنا التعليمي فإن هذا الخطأ سيحمله جيل كامل يؤثر في السلوك والعمل والرؤيا والتخطيط المستقبلي، فكل جيل ما هو إلا مدماك نبني به أنفسنا وطريقنا للمستقبل، فإن اعوج أحد المداميك أو ضعف, فإنه من المؤكد سيحرف خط سيرنا أو يهدمه.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!