لغة الشتائم. خاطرة. نجيب كيَّالي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

لغة الشتائم
خاطرة
نجيب كيَّالي

مع أنني أكره الشتائم، لكني أقف أمامها متأملاً، وخصوصاً تلك التي يرميها الإنسان عندما يكون في وَحدته، يشتمُ حظَّه، وظرفَهُ، وأمَّه وأباه اللذينِ جاءا به إلى الدنيا، وقد يطال بلسانه أموراً مقدَّسة. سأتناول هذا النوع، وأترك النوع الآخر الذي يتبادله الناس في مشاجراتهم.
يخطر لي أنَّ هذه الشتائم التي يمارسها إنسانٌ مقهور في بيته أمام الحائط أو أمام طريقٍ مغلق يلوح في خياله تشبه أصدافاً سوداءَ كريهة، لكنها تحوي في داخلها أزهارَ ياسمين.. فشتيمةٌ مثلاً قد يكون وراءَها عقلٌ متحفِّز نابض لديه مشروع عظيم، لكنَّ الدنيا حطَّمت مشروعَهُ كما تحطِّم الأمواج المجنونة زورقاً جميلاً صغيراً، فراح ذلك المحطَّم يرغي ويزبد.
وشتيمة ثانية قد تخفي خلفها انكسارَ قلب في تجربة عاطفية يراها صاحبها عمودَ حياته، ونجمةَ مستقبله.
وشتيمة ثالثة قد تحمل في طياتها حباً عميقاً للأبناء
وحرقةً من رحيلهم إلى بلاد بعيدة.
وشتيمة رابعة قد تنطوي على عشقٍ للعدالة وتعلُّقٍ عظيم بالوطن، لكنَّ راية العدالة داستها الأرجل، والوطنُ نفسُه ضاع.
وشتيمة خامسة قد يستتر في باطنها تساؤلٌ عن معنى الحياة وقد غزته التفاهة، فغدت الدنيا أشبه بصندوق مليءٍ بالعِظام، وعلى البشر أن يمصمصوها كالكلاب!
الشتائمُ أيها الناس ليست مجرَّدَ بذاءة، إنها لغةٌ ثرية بحاجة إلى تفكيك، هي شيءٌ ساخن حار يغلي، وفيه قسمٌ كبير من الحقائق المستترة، والانتهاكات المتوارية، هي زمجرةُ احتجاج، وإمساكٌ للكون من ياقته، وسؤالُه: لماذا تفعل بنا ما تفعل؟
وكثيرٌ ممن يشتمون بعد سيول شتائمهم يبكون ويبللون المناديل أو يستغفرون أو يندفعون لنوبة شتائم أخرى أكبرَ وأعنف، لأنَّ آلامهم ماتزال ملتهبة كفوَّهات البراكين!
*

٢٠٢٢/٨/٥

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!