نجيب كيَّالي. خاطرة. قال الرجل الذي يشبهني

 

 

آفاق حرة

 

قال الرجل الذي يشبهني
خاطرة
نجيب كيالي

أُمسكُ مفتاحاً
أديره في باب اللغز الذي هو أنا، فلا يتحرك المفتاح!
أقف أمام المرآة، أصرخ من أنت؟
أكتشفُ أنني كنتُ أصرخ من ثلاثين أربعين سنة!
صرخاتي كلها مدونة على حبالي الصوتية
خيباتي كلها محفورة بأمانة على أحجار الذاكرة
كنتُ، ولم أكن
أسير، ولا أسير
قطعةُ روح أنا، وقطعةُ خردة
لا أدري هل عينايَ بؤبؤان يبصران أم هما حفرتان؟
هل؟ هل؟ هل؟
فتشتُ عن نفسي خلف نفسي، وتحتها، وحولها، لكنني كنتُ دوماً منزلقاً من قبضة وعيي، كما تنزلقُ طابة الصوف من قبضة جدتي الرخوة!
أقف أمام لغز آخر هو وطني
أُدخِل المفتاح، أديره، فلا يتحرك!
أقول لهذا الشيء الذي أحبُّه أكثرَ من نفسي: وُلدتُ فيك منذ سبعين سنة، تصورتُ أني أعرفك مثلَ أمي وأبي، لكنك أخفيتَ عني بطاقتك الشخصية!
أكلتُ فوق ترابك الباذنجان المقلي، والفاصولياء، تكوَّنت خلايايَ من حبَّات الزيتون في إدلب، ومن كرز أريحا، ومن توت الشام، ومن فستق حلب، وعند مقارنة الخلايا تبيَّنَ أننا أنا وأنتَ مختلفان!
استنشقتُ نسماتِك نسمةً نسمة، وتأملتُ وردك وردةً وردة، وركضتْ رِجلي خلف صبياك، وخطفتني في الطفولة حكاياك، لكننا حين جلسنا معاً، ونظرَ كلٌّ منا في وجه الآخر نزل بيننا شعورٌ بالغربة، كأننا لم نلتقِ من قبل!
استخدمتُ كلَّ أدوات النفي، وقلتُ: لا أُصدِّق، مسحتُ دموعي بكل المناديل، وقلتُ: غير معقول!
أشعر أيها الغالي أني كنتُ منك، وكنتَ مني، لكنَّ وجوهاً غريبة دخلتْ! تسرَّبتْ أو تلقَّتْ دعوة! أخذك هؤلاء، ولم أعد أعثر عليك!
وها أنا أفتش عنك في حدودك وخلفها، عن يمينك وشمالك وفيما حولك، وكلما تصوَّرتُ أني عثرتُ عليك أجدك تنزلق من قبضة وعيي، كما تنزلق طابةُ الصوف من قبضة جدتي الرخوة!
لكنني أُحبُّك
أبكي وأُحبُّك
وفي ذلك المكان الضيق في رقدتي الأخيرة سأمدُّ رأسي بين حين وآخر، وأقول: أُحبُّك.
*

٢٠٢٣/٣/٦