ديرعلا مع الاعتذار / بقلم محمد صوالحة

ديرعَلّا  مع الاعتذار

هنا أقف لأعيد نشيد الراحل سليمان عويس ، القلب يغنيه ، والروح تطير به إلى الأعالي حيث تقبع هذه المحافظة الآبية .

سلطي أنا وحاكورتي
فيها الشجرْ هالطولْ
ومسيّجهْ لوزْ وعنبْ
والفستقهْ هالطولْ
فيها طواحينْ وعصافيرْ
وحكايا مطرّزهْ
لو تنحكى بتطولْ
فيها انزرعْ جدي
وأبو جدّي وِرِثها عن أبوهْ
اللّي انولدْ فيها
والّلي بنى فيها
بيرْ ومراجيحْ وحرثها سنينْ
سلطي أنا
ولْ ما يحب السلط
ما يعرف حلاة الحبْ
ما يعشق أبدْ
ضيّع شبابه لازرع أرضهْ
ولا أرضه حصدْ
مجنون من عرف الهوى
بعيون سلطيّهْ
ولا عقله شردْ

أنظر إلى الغرب فأشاهد خضرة الأغوار وأنوار القدس ، فيأخذني  الحنين إلى مسرى رسول المحبة والإنسانية ، وتتقد في الروح  نيران الغضب على إخوة سمعوا معي أنين النهر ، ووجع الباذان ، سمعوا معي صرخات جبل النار ، ودموع يذرفها الأقصى وتشاركه القيامة ، سمعوا وصمتوا وتركوني وحدي مع أخي هناك نتقلب على جمر الجرح وابتعدوا .

وأنت تسير في الطريق ، وما أن تقطع مسافة الكيلو مترين ، حتى تشعر بأنك مجبر على الوقوف، إلى يمنيك تربض مع الشموخ زي ، والى يسارك ، تقطن في السفح كفر هودا ، إلى أين تتجه ؟  فلكل منهما مكانه في القلب ، هناك النشامى من أبناء الخريسات ، يحمسون قهوتهم، ليملأ شذاها الأفق ،ومهابيشهم تعزف لك تحية الضيوف ، تعزف لك أنشودة أهلا وسهلا التي ما غابت أبداً عن شفاههم ، وهناك ، أبناء الزعبية والخرابشة والعواملة ، كلها تناديك ، وتزغرد أشجار الزيتون ، والكروم حيا الله بالأخ والابن القادم إلينا .

تأخذك الحيرة أي نداء تلبي أولاً، تكتفي بالنظر لبيوتهم العامرة الطاهرة، ويأخذك الدعاء بقلب خاشع ، اللهم أدم نعمك عليهم ومتعهم بالأمن والسلامة ، اللهم هؤلاء الشامخين من أبناء الوطن الشامخ ، ما زالوا على عهدك يا رب ، ما زالوا على بيعتهم ، لا يخذلون أخ، وما زالوا أرضاً تتحقق فيها معجزة الإخاء الأولى.

ولكن هنا اختلفت قليلاً، إخاء بين الأديان التي أنزلتها يا رب ، أرض الأخ وابن الأخ ما دام يحتفظ بقانون مهباشها،  ودستور بيت الشعر فيها .

يعتذر القلب من أحبة سكنوه ، وأتابع مسيري إلى حيث ديرة  من ترابها كان شهيقي الأول،تعترضني منطقة الصبيحي، ترادوني بالدخول إليها، تمنحني بعضاً من نسيم أروض به حرارة أرضي،أخفف من لهيب شمسها ،تقبل ترابها عيوني، وأتابع  رحلتي إلى هناك .

تلوح لك الأغوار بذراعها أن اقترب لترتوي من بحر البطولة، وترتشف من معين الكرامة، وترى بأم عينك ذلك التلاحم الأسطوري بين الشقيقين ابن الضفة الشرقية والغربية .

تناديك الأغوار لترى بأم عينك الأرض التي أبى أن يفارقها صحابة رسول الله من أمين الأمة إلى ضرار بن الأزور،  ورفضوا إلىأن يكون نشورهم منها إلى باري السموات والأرض ، تأخذك الأغوار إلى ذلك الزمن البهي بكل ما فيه لتعلمك أن هذه الأرض وإن تعثر فارسها ، وكبى حصانه  لابد له من أن ينهض ويسترد ما ضاع منه ، لا يقبل منزلا له غير جبين الشمس.

تأخذك أرض الأغوار المزدانة بخضرتها وبسمرة أبنائها إلى حيث هناك، إلى دير علا ، حيث تلها ما زال شاهد اً على أزمنة ارتحلت وأبقت شواهدها .
ديرعلا بتلها العتيق والذي ما زال عطر الأنبياء يفوح منه ، ينادي المعنيين بالكشف عن الأثار ، ليزيلوا الغبار عن تاريخ هذه المنطقة التي شكلت قبل أن يكون الإنسان .

دير علا سلة غذاء الأردن والتي تمتد من ضريح أمين الأمة وحتى جسر الأمير محمد ، يفوح أريجها عبر حرارة صيفها ودفء شتائها ، ويسمع أنيين قلبها الصادق والمحب ، من وجع قرن صرطبة ، من ألم الأهل هناك غربي النهر والذين مذ كانوا وهم تحت طائلة الابتلاء .

كيف لا يجري القلم للتغزل بدير علا، التي كانت اللثغة الأولى لجسدي منها تنطلق ، كانت زقزقة العصافير أول موسيقى يسمعها هذا الجسد ، وكانت فراشات الأرض وخضرتها أول لوحة تطل عليها العين ، فتعرف معنى الجمال وتقدره .

ديرعلا التي استقبلت هذا الجسد الغض ،عندما أبت الجوزاء إلا أن يكون من أبنائها ، فلا يليق بأبناء هذا اللواء الطيب إلا الجوزاء بعليائها.

هنا وفقط هنا وأنت تجوب الدروب التي اكتنزت بالخضرة،  وعندما تطلق للروح العنان تتعلم كيف ترسم فوق ملامح الجسد المتعب الابتسامة الصادقة النقية، وأنت تجوب الأرض وتتأمل ألوانها المتناثرة بإبداع تتسأل ترى لم يتكئالأشمخان على كتفيها، وتسمع رنين ضحكتهما وهي تجيبك لنمتع النظر بما حبى الله هذه الأرض من جمال. هنا وفقط هنا تعلمك الأرض كيف تتخذ المواقف، متى تكون لينا طيبا معطاء ومتى ينادي للشدة مناديها

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!