( رحلة إلى الله )في رحابِ رسولِ الله ومدينته الطاهرة

بقلم: محمد صوالحة

ما زالت خيوط الدهشة تخترق عواطفي وشموع الفرح تنير جوارحي وتضيء عتمة الذاكرة التي لم أعد أستطيع قراءة ما علق بها ، أين نحن الآن لا  أدري؟  أين وصلنا ؟  لا أعرف ،  لم أعد اسأل أبا يونس عن شيء، ولم ِيخطرببالي أن أسجل أسماء تلك البلدات التي لم ندخلها وإنما كُتبت أسمائها على لافتات على جانب الطريق، الشوق لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ومدينته وزمنه يخترقني ، يقتحمني ويشعل نيرانه في القلب ، تتراءى لي صور أولئك الأجداد ، أحن إلى الأمس البعيد ، إلى أولئك الفرسان الذين اجتازوا بحور الظلمات ، وأشعلوا شموس المحبة والإخاء ، إلى من نشروا رسالة الصفح والعفو عند المقدرة ، التسامح حتى مع الأعداء .

هم الذين أهدوا البشرية معنى الكبرياء والشموخ ، هم الذين كانوا في جاهليتهم أعزاء لا يرضون بالضيم ولا يخضعون إلا لألهتهم ، وبعد أن اهتدوا لرسالة الحق وأمنوا بها  خضعت لهم العزة ، وامتطوا صهوة الكبرياء وحملهم المجد على جناحه، وكانوا هم وحدهم من دون بني الدنيا شعار السمو والنبل والعظمة، وما عادوا بعد إيمانهم يحنون الهامات إلا لله الواحد القهار ، فقط الملك العدل من يخشونه ويخشعون ويذلون عندما يكونون في رحابه .

ديار الأجداد الذين منهم من طردته ديرته وأهله الأقربون ومنهم رسول المحبة والإنسانية، الأجداد الذين خرجوا من هناك لا يملكون من الدنيا إلا النور الذي يملأ صدورهم ، والجراح التي علقت في أجسادهم أوسمة فخر واعتزاز ، أوسمة كتب عليها إلهي إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، وأجداد نصروا وأزروا وضحوا بالنفس والمال وبكل زينة الدنيا ومتاعها ،  وعندما يُسأل المنفيون من ديارهم  عن عدم إقبالهم على الدنيا الغرور ، تكون إجابتهم واحدة موحدة ” إن الدنيا وما عليها لا تساوي عند الله جل في علاه جناح بعوضة ، فكم أُساوي أنا من هذا الجناح ؟ وكم هو نصيبي منه إذا ما أقبلت عليها ؟  ” لا فنحن نشتري دار الخلود والبقاء ، نحن نشتري جوار العفو الرحيم ، ونرغب عن دار الزوال والفناء .

هنا سرقني أبو يونس من تداعيات الذاكرة والصور التي راحت تتراكم أمام عيني وخيوط الدهشة التي تجتاحني، ليخبرني إننا الآن على مشارف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشاعر مختلفة ومختلطة، مشاعر مضطربة ، نشوة الفرح  تغمرني ، لا أدري إن كانت الحياة هي التي احتضنت قلبي أم أن قلبي  من احتضن الحياة ، كل الأشياء تلونت بالأخضر الزاهي ، أسمع كل الأشياء تغني من فرط سعادتي حتى إطارات الحافلة ، كنت أسمعها تردد نشيد الحياة والحب ، كيف لا ونحن بعد قليل من الوقت سنكون في ضيافة رسول العزة والسمو والكبرياء، هل يمكن لكلماتي البسيطة أن تعبر عما يكتنفني من مشاعر؟  هل يمكنها أن ترسم سعادتي أو تصفها ؟من يصفعني؟  لعله يجعلني أشعر بأني أعيش الواقع، إني حقيقة  في مدينة رسول الله ولست أحلم بذلك ،  أين أمي تعنفني ؟ لعلي أخرج من عالم الوهم لتعيدني إلى ما أنا فيه من حقيقة، هل يمكن للشعر أن يصف ما يحتويني من مشاعر؟ وكيف له ذلك وأنا الآن قد فقدت كل قدراتي على الوصف والتعبير؟

وقبل دخولنا مدينة حبيب الله عليه السلام، لفت انتباهي ذلك المبنى الرائع  والمهول في شكله وطريقة بنائه، اعتقدت للوهلة الأولى أنه المسجد النبوي الشريف.

أبو يونس ألم نصل بعد ؟

– لا .

-أليس ذلك هو المسجد النبوي ؟

لا ذلك المبنى الذي تراه هو قصر الملك فهد بن عبد العزيز ، وهل تعلم يا أبا صخر بأنه لا طريق تؤدي إلى هذا القصر.
– وكيف الوصول إليه ؟
– عن طريق الطائرة فقط، لأنه كما ترى يقع على مرتفع عال.
-ياه، يا أبا يونس؛إنه المال وما يصنع .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!