رسائل الي أبي ألمتوفي منذُ أعوام( الرسالة الثانية) بقلم : عبد الرقيب طاهر

أبي … تحت هذه الشجرة الكبيرة   ، أجلس متكىء على حجر الصوان ، ، أضع تحت مرفقي خرقة بالية من بقايا كيس بذور الدخن الذي كنت تزْرَعها في الحقل الكبير .. وأفترش التراب ……. الشمس لم تشرق بعد لكن شعاع الفجر يملأ الكون وبصيص من أشعة الشمس يبدُ من خلف جبل عمر واضحاً جلياً…. قطرات الندى باقية على بعض حشائش العفرس والوبل. . وبراعم الزهر تفتح أكمامها أمام الفراشات الملونة ومجموعة النحل المنتشرة في الوادي. . بيت النمل الأسود يدب بالحركة تحت هذه الشجرة بهمة ونشاط منقطع النضير. .. ورائحة محملة بعطر الزرع والزهور تأتي مع نسيم الصباح من أسفل الوادي …. الآن علمت جيداً لماذا كنت تواظب على الإستيقاض مبكراً يا أبي ، ، تحمل معك جمنة قهوة القشر وقرص فطيرة من الذرة التي تزرعها يداك وتسقيها بعرق جبينك الأسمر. … أحس الان بمتعة لا يضاهيها أي شيء آخر في هذه الساعة. . مجموعة من العصافير الصغيرة تأتي ثم تذهب بسرعة تزقزق باصواتها الجميلة ليتني امتلك منطق الطير كنبي الله سليمان لأعلم ماذا تقول لبعضها البعض .. أحس كأنها تحكي فيما بينها بأن الرجل الغائب قد عاد .. بعد غياب السنين الطويلة لذلك هي قررة بانها ستعود إلي هذه الشجرة بعد هجرها. . .. لم تقس عليا يوماً يا أبي إلا مرة حين كنت في التاسعة من العمر تحت هذه الشجرة. …… حينما رميت عصفورة صغيرة بحجر من قوس صغير كنت صنعته من عود العوسج ووتر من المطاط. … أتذكر حين كسرتُ جناحها ونزلت المسكينة من أعلى الشجرة شبه ميته كنتُ فرحاً وهي ترتجف ألماً ووجع. . كنتُ أحس بإنتصار رعات البقر الذين لاتخِيب طلاقاتِهم من أول طلقة بمسدساتهم الإميريكية ذات العجلة. . حينها قلتْ لي بغضب لماذا فعلتَ ذلك ؟ ولم تقل في نهاية سوالك لي (يابني) كما هي عادتك في الحديث معي فعرفت حينها شدت غضبك وحنقك مني. ….. كنت واجماً ولم أجيب على سوالك من خوفي فأنا أعرف حبك للعصافير فأنت تضع الحبوب والماء تحت الشجرة لهم كل يوم عند بزوغ الشمس. .. بعد رحيلك يا أبي لا أحد يضع للعصافير الحبوب والماء لذلك هي هجرت هذه الشجرة مثلما هجرتُ انا بلادي. …ضليت َْ صامتاً حتى نهاية اليوم لم تحدثني وكأن ذلك اليوم كان بنسبة لي عام كامل مضى من عمري بحزن ومشقة …… أتذكر في تلك الليلة إني حلمت في منامي بمجموعة كبيرة من العصافير حاصرتني من كل مكان ،، تتقدمها تلك العصفورة التي كسرت جناحها تريد أن تنتقم مني وكانت ليلتي مفزعة ومخيفة. … يا إلهي هل سوف تغفر لي ذلك ؟؟ لم يكن البوح من صفاتي ولا الإطمئنان لأحد لذلك سوف أبوح لك يا والدي أنت فقط في هذه الرسالة عن مايكدر صفوي وينغص عيشي.. الحياة قاسية وجميلة في آن واحد لكنها لم تريني أنا غير الوجه العابس منها ياسيدي. …… فأنا منذُ كنت طفلاً قابلت في شتى مراحل حياتي أصناف من فواجع الحياة وكدرها حتى أنني بت أخشى الكثير من الأشياء التي حدثت أو لم تحدث بعد … هذه الصفحة تكاد تمتلئ بالمداد وأنا لم أبداء رسالتي بعد … التي أريد إيصالها لك. ….. تباً لي كم صرت أكثر من الكلام يا أبي سامحني كثيراً ….. الآن سوف اكتب لك كل ماصار لي ولأخوتي وأمي المسنة من بعد رحيلك عن دنيانا البائسة. …. سأحدثك عن القرية النائمة بين تلك الجبال الشامخة من حين ضربها الزلزال واصابها مرض الطاعون في عام واحد. ….. قالوا بأنها لعنة الرجل الصالح أصابتها حين زار مسجد القرية ولم يطعمه أحد. ….. قالت أمي بأنه الخضر عليه السلام كان في ثياب رجل مسكين….. كنت مؤُمن بحديثها وأحاديث أهالي القرية ولم أعتقد بأنها شيء من الخرافة أو ضرب من الخيال…… إلا بعد أن ذهبت إلى تلك البلاد البعيدة التي سوف أحدثك عنها يا أبتٍ .

يتبع…………………

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!